أصدر الباحث والكاتب محمد آيت علو مؤلفا شعريا جديدا وسمه بـ”أنفاس تحت كمامة”، الصادر عن دار المعرفة للنشر والطباعة وبدعم من جمعية التواصل والتنمية أركان، وهو عمل شعري من القطع المتوسط.
ويتألف هذا العمل من عشرين قصيدة هي قيم كورونا المستجد، بيروت: عاصفة الجروح، غربة في ليالي الشتاء، يطير القلب..!، بيننا والذي فات، عصر شاحب…، موج الشتاء…، متى تكبر آدميتنا…؟، جراحات، مات الرحيل…؟!، ما أوسع الانتماء، إلى حدائق ذات بهجة، صرخة ميلاد..، مقامات القرن، إسعاف وقمر، في سفر كنعان المقدس، سأغني للتعايش، للإنسان.. !، كمامة كورونا…” فضلا عن مقاطع شذرية.
وأوضحت معطيات توصلت بها هسبريس حول الإصدار الجديد أن “القصائد المذكورة تنشغل بالهم الإنساني، وتنقل القارئ إلى عوالم اللغة الشعرية والدهشة الإشراقية، والمستجدات الحياتية الراهنة وبواقعنا المأساوي والكابوسية التي يشهدها العالم، وأمام تحديات الواقع المتخن بالجراح والاضطراب والداء والوباء…، ولا سيما ما تعرفه الإنسانية من انتكاسات ومواجع، وأمام الانحسار والانكسار، وضبابية القيم ومفارقات الوجود”.
وورد ضمن المعطيات ذاتها أن الإصدار يهتم أيضا بالواقع الجميل أيضا، على وتر المشاعر الإنسانية السامية والرؤى والعواطف النبيلة، والمعاناة والهم الوجودي والكوني بحدس ملهم ورهافة حس، وأمام اختناق الشعر الحديث في زحمة الفنون المنافسة؛ فالزمن تغير وصار كثير الفوضى والمادية، والشعر قد انسحب من التعبير عن هموم البشرية، هذه الأخيرة التي انصرفت عن سماع صوت الشعر الذي بات شبيه نداءات وهمس في وديان.
ووظف الأديب محمد آيت علو في هذه الأنفاس الشعرية لغة ذات إيقاعات رشيقة مرنة وشفافة روحية، وحبلى بصور الحلم والانتعاش والحب، لغة تجسد حنينه وبصور ماتعة، فشعره تجسيد ومرآة صادقة شاهدة له، كما أن سلاسة التناول وأداءه الهامس أكسب نصوصه رهافة وقدرة على الانسياب في النفس والتواصل مع أدق خلجاتها تعاطفا ومشاركة واستنفارا للمهمة وحثا على التجاوز والتسامح، وبقوافي ثرية بمفردات مجردة ومرنة وبلغة دافئة تتجاوز الكائن بحكم ظروف الحياة الصعبة.
ويقدم آيت علو صورا لملامح الحلم والحب الكبير التي تنسج خيوطها لتغزل نصوصا موشحة بماء القلب والحياة معا، وشفافية الروح ومباهج الحياة، حيث الإبداع يصير زاهيا ومختمرا ومخترا في خوابي وأجران الوجدان والجنان والروح الصوفية الصافية؛ شيء آخر هو هذا التجدد في الأسلوب، وذلك يتجلى أساسا في تفتيت الصوت الإنساني داخل النصوص وتعميقه، بحيث لا يقتصر على تعريف واحد لجهة الحالة الشعورية.
وثمة خاصية أخرى هي الاعتماد على تخطيط سردي داخل النص الشعري تجلى في الكثير من النصوص كما هو الشأن في نص “كمامة كورونا” والذي يتجاوز ثلاثين سطرا. ومن هنا، يجيء الموقف الشعري الذي يجسده الأديب محمد آيت علو انطلاقا من أسر الحالة إلى فضاء الشاعرية المطلق وآفاقها البعيدة. كما أن البنية الشعرية لنصوصه تبدو شديدة التماسك، مفعمة بالنفس الشعري المتدفق، والخبرة الشعرية العميقة، والموقف الذي يتجاوز التجربة والحالة في دلالاتها وإيماءاتها وإيحاءاتها، معلنا عن شموخ شاعر وكبرياء إنسان.
ويتضح حين الإمعان الواضح للتشكيلات الشعرية لدى الأديب محمد آيت علو أنه ينبع من هاجس التجريد والحداثة بالمعنى المعاصر، كما أنه يمزج بين صورة الكلام وكلام الصورة المعهودة وكلام الصورة الجديد، شذرات من عوالم مختلفة ومتخالفة في الزمان والمكان؛ لكن صوغها في سبيكة قولية واحدة، وإدراجها في أنساق متعاقبة بهذا الشكل دون سواه، هو المكون الرئيس لبنيتها الجمالية.
أما خواتيم بعض هذه النصوص فقد جاءت كمفاتيح وتحولات مفاجئة؛ ذلك أنها تسفر عن مشهد متكامل مشحون بتفاصيل يومية إنسانية، مأساوية ومبهجة حبلى بالأماني والأمل، فيما تبرز صيغة المعاناة بشكل جلي، على الرغم من التعتيم الذي مورس على الصوت الشعري، حيث يقشعر ذعرا من انفلات العاطفة بعيدا من مساحة إنسانية لازمة لا غنى عنها، إنها مساحة العذاب والأثر المطبوع على الأرض. كل ذلك يجعل من محمد آيت علو شاعرا مسكونا بالألم والمعاناة الإنسانية؛ لكنه، في النهاية، عناء جميل.