“تحديث آليات تدبير الميزانية بالمغرب” هو عنوان أطروحة دكتوراه ناقشها الباحث عثمان المودن، برحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال بالرباط، وجاءت في قسمين: القسم الأول تحت عنوان “واقع التدبير الميزانياتي بالمغرب”، في حين عنون القسم الثاني بـ”مظاهر تحديث التدبير الميزانياتي بالمغرب”.

وتؤكد الأطروحة على فكرة رئيسة مفادها أن المتتبع لواقع التدبير الميزانياتي بالمغرب على مدى 20 سنة الأخيرة، سيلاحظ حركية وتغيرات متتالية توجت بصدور القانون التنظيمي للمالية رقم 13-130، واستهدف الرفع من نجاعة التدبير الميزانياتي وتكريس شفافيته، وإعادة الاعتبار لمختلف المتدخلين فيه، خصوصا مؤسسة البرلمان.

وخلص الباحث إلى مجموع من الملاحظات والتوصيات؛ أولها ضرورة بذل مجهودات مضاعفة فيما يخص إقرار منظومة جبائية عادلة، ذلك أن عدالة نظام جبائي من عدمها تؤثر مباشرة سلبا أو إيجابا على منظومة قيم المواطنة الجبائية وعلى الثقافة الضريبية، ويولد إما نزوعا نحو التهرب، ورفض الضريبة أو قبولها، وتكريس ثقافة ضريبية إيجابية هي مسؤولية تلتقي فيها إرادات متعددة؛ منها مسؤولية الفاعل الإداري (وزارة الاقتصاد والمالية)، ومسؤولية جمعيات المجتمع المدني ووسائل الإعلام، ومسؤولية المدرسة والجامعة، قصد خلق وتربية جيل يؤمن بأهمية الضريبة، وأنها جزء لا يتجزأ من منظومة المواطنة.

وبخصوص دور البرلمان في التدبير الميزانياتي، يرى المودن أنه وإن كان القانون التنظيمي للمالية سعى إلى إعادة الاعتبار لهذه المؤسسة وتكريس دورها في مرحلة إعداد مشروع الميزانية وأثناء مناقشتها، فإن دور البرلمان في مجال المناقشة والتصويت على قانون المالية تحده قيود دستورية، مرتبطة بالفصل 77 من الدستور، وما يمنحه من سلطات شبه مطلقة للحكومة لوأد أي مبادرة أو اقتراح برلماني فاعل في المجال المالي، مع الإشارة إلى أن مظاهر محدودية البرلمان في مجال تدبير الميزانية، تبقى ذاتية وتعود بالأساس إلى عوامل مرتبطة بالبرلمان ذاته وطبيعة تشكيلته والنخب المكونة له،

وإقرار نظام محاسبي جديد للدولة، يشكل إحدى الآليات القيادية لإنجاح مختلف الأوراش الأخرى للتدبير الميزانياتي بالمغرب، غير أن هذا الورش ليس سهلا ويحتاج إلى مجهودات كبيرة من مختلف الفاعلين.

واعتبرت الأطروحة ذاتها نجاح ورش تحديث التدبير الميزانياتي غير مرتبط بالآليات المادية والتقنية، بل رهين بتغيير العقليات والاهتمام بالعنصر البشري كمدخل للتحديث، وأوصت بعدم حصر ورش التحديث وتحميل مسؤوليته لوزارة الاقتصاد والمالية (رغم دورها المحوري فيه)، بل ينبغي أن يتولد إيمان لدى مختلف الفاعلين الآخرين، بأهميته في سيرورة تحديث منظومة التدبير العمومي وتحديث هياكل الدولة، فدور الفاعل الإداري ينبغي أن ينسجم ويتداخل مع دور الفاعل السياسي والفاعل الجمعوي والأكاديمي، من أجل خلق بيئة سليمة للتغيير.

وحث الباحث على ضرورة استمرار انفتاح وزارة الاقتصاد والمالية على المحيط وعلى جمعيات المجتمع المدني، وأساسا انفتاحها على المؤسسات الجامعية على مستويين: مستوى أول، من خلال تنظيم لقاءات وندوات للتعريف بمضامين التغييرات التي تعرفها منظومة التدبير الميزانياتي بالمغرب، ومستوى ثان عبر التفكير في شراكات مع هذه الجامعات لخلق شعب وتخصصات على مستوى الدراسات العليا خصوصا، تتماشى مع توجهات التحديث الميزانياتي والحركية التي يعرفها المجال، من قبيل إحداث ماسترات متخصصة في محاسبة الدولة، وفي التدبير الميزانياتي الجديد، مقابل ذلك ينبغي على الجامعة ووزارة التعليم العالي أن تعيد الاعتبار إلى شعبة المالية العمومية والمحاسبة والضرائب ضمن منظومة التكوين الأكاديمي.

جدير بالذكر أن الأطروحة أعدت تحت إشراف الدكتورة فاطمة الحمدان بحير، أستاذة التعليم العالي بجامعة محمد الخامس الرباط، وتكونت لجنة المناقشة من سبعة أساتذة ترأسهم الدكتور أمين المزوري، عميد كلية الحقوق بالجامعة الدولية بالرباط، والأستاذين محمد حركات وجواد النوحي من جامعة محمد الخامس بالرباط، بالإضافة إلى الأستاذ عبد الرزاق الهيري من جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، والأستاذة السعدية بورايت من جامعة القاضي عياض بمراكش، والأستاذ نور الدين لزرق، الخازن الوزاري لدى وزارة الثقافة والشباب والرياضة.

hespress.com