“الحماية الدولية للصحفيين أثناء تغطية النزاعات المسلحة”، أطروحة جامعية في القانون العام بكلية الحقوق أكدال بالرباط، رصد من خلالها الطالب الباحث نزار الفراوي واقع نزيف القتلى والمصابين والمعتقلين من الصحافيين الذين يغطون النزاعات المسلحة في مختلف مناطق العالم، ليسائل منظومة الحماية القانونية الدولية المكفولة لهذه الشريحة من الصحافيين وحدودها وآفاقها.

البحث الجامعي للصحافي والباحث في العلاقات الدولية الفراوي، حاول تحليل أوضاع الممارسة الإعلامية في ظل حالة استثناء تشكلها النزاعات المسلحة، وعرض للإجابات التي قدمها القانون الدولي الإنساني لحماية الصحافي بوصفه من الفئات المحمية بمقتضى هذا القانون منذ نصوص لاهاي مرورا باتفاقيات جنيف وصولا إلى البروتوكولين الإضافيين لـ 1977.

وشخص البحث الاختلالات التي تشوب الحماية القانونية للصحافيين في مناطق النزاع، مستدعيا بعض النماذج الحية من النزاعات المسلحة التي دفعت فيها الصحافة ثمنا غاليا، خصوصا منذ بداية الألفية الجديدة. وعلى أساس هذا التشخيص، رصد الباحث المقاربات التي بلورها المجتمع الدولي، سواء بمنظماته الحكومية أو غير الحكومية، لوقف هذا النزيف.

ولاحظ نزار الفراوي، الذي صدر له سابقا كتاب “العولمة وأزمة الدولة الوطنية”، أن الاتفاقيات الدولية والقرارات الأممية تعددت لكن منحى الضحايا في صفوف الصحافيين يظل إجمالا في تزايد، خصوصا منذ حروب ما بعد الحرب الباردة. فما الذي يفسر قصور هذه الترسانة التشريعية عن إطلاق دينامية كابحة لمسار استهداف الصحافيين، قتلا واعتقالا وتعذيبا؟

واستدعى الباحث حالات وأوضاعا ميدانية شكلت اختبارا لهذه المنظومة القانونية في ما يخص حماية الصحافي بمناطق النزاع المسلح، وضمنها حماية المؤسسات الإعلامية أيضا. من ضحايا الصحافة في الحرب على العراق إلى مشاهد القتل والاختطاف في الحرب السورية، ومن قصف مبنى التلفزيون والإذاعة في بلغراد إلى استهداف الصحافيين والمؤسسات الإعلامية بغزة، يمكن الوقوف على مكونات حالة طوارئ متواصلة في سياق نزاعات ذات مخاطر جديدة وبأشكال استهداف عالية الحدة لسلامة الصحافيين.

هذه الأمثلة تبين وفقا للباحث إلى أي حد تتسع الهوة بين القاعدة القانونية الموجهة في إطار القانون الدولي الإنساني نحو حماية الشخص المدني والأعيان المدنية والحد من نزعة التدمير الكلي في مناطق العدو، من جهة، والواقع الصارخ لاستخدام القوة العسكرية والانتهاكات الموجهة نحو حرية وسلامة الصحافي حين يصبح عنصرا مزعجا للحسابات الميدانية وأبعادها السياسية. لكنها تبين أيضا أن الإفلات من العقاب هو القاعدة وملاحقة قناصي الصحافة هي الاستثناء.

وخصص الباحث فصلا للشهادات الميدانية لعدد من الصحافيين الذين لهم تجارب عديدة في تغطية الحروب على الصعيد الدولي، تتضافر مع شهادات قيادات أهم المنظمات غير الحكومية الناشطة في حماية الصحافيين، ليختتم البحث بخلاصات وتوصيات تفتح مسالك التفكير في أفق مغاير لنزيف الدم الإعلامي في ساحات الحروب.

hespress.com