الإثنين 10 ماي 2021 – 09:50
يزخر التاريخ الإسلامي للمغرب والأندلس بثروة هائلة من العلوم والمعارف الشرعية والمجتمعية والإنسانية، مما تناثرت أجزاؤها سلبا ونهبا حتى استقر بها المطاف بمتاحف ومكتبات في أقاصي الشرق والغرب، فيما لم يتبق للعالم العربي والإسلامي منها إلا النزر اليسير.
وتعتبر أطروحة الدكتوراه التي ناقشها عن بعد الباحث إدريس أجمي، رئيس الرابطة المغربية الإسكندنافية للأئمة والقيمين الدينيين بالسويد، وحاز خلالها على ميزة مشرف جداً من جامعة ابن طفيل بالقنيطرة، إحدى الأطروحات التي أزاح الباحث فيها الغبار عن بعض كتب التراث الإسلامي.
ويتعلق الأمر بمخطوطٍ في تفسير القرآن الكريم بعنوان “ينبوع الحياة في تفسير القرآن الكريم” للإمام حجة الدين أبي عبد الله محمد بن ظفر الصقلي الأندلسي، المتوفى سنة 567 للهجرة، حيث تناول الباحث بالتحقيق والدراسة ضمن هذا التفسير الجزء المتعلق بسورتي الفاتحة والبقرة، ضمن مشروعٍ أكاديمي تشرف عليه الجامعة المغربية لإخراج هذا السفر العظيم إلى الوجود وإضافته إلى المكتبة الإسلامية جنباً إلى جنب مع مصادر التفسير المعروفة مثل تفاسير الطبري وابن كثير والقرطبي. ويبدو أن المشروع على وشك الانتهاء بعد أن تمت مناقشة العديد من أطروحات الدكتوراه ذات الصلة بأجزاء هذا المؤلَّف.
والمثير في هذه الأطروحة تلك الصعوبة التي واجهت الباحث أجمي وهو يبحث عن النسخة الأصلية للجزء المتعلق به بحثه، فقد حاول- كما ورد في عرضه أثناء المناقشة- التواصل مع أكثر من مكتبةٍ وطنيةٍ وعلميةٍ بعددٍ من الدول العربية، فكان حاله كمن يبحث عن إبرة في كومة قش. كما سجل ما تعرض له من صدٍّ عبر المطالبة بوثائق وخطابات وأداء رسوم وإجراءات بيروقراطية.
وتبرز أهمية “ينبوع الحياة” وقيمته العلمية في موسوعية المؤلف، الذي جمع بين علوم اللغة والقراءات والفقه والعقيدة ولطائف التربية والتزكية وعلم الكلام في رده على المعتزلة والرافضة، بل من موسوعيته ما صرح به في أكثر من موضع باطلاعه على كتب أهل الكتاب أثناء رده عليهم.
كما تبرز أهمية الكتاب وخصوصيته فيما اشتمل عليه من جزالة اللغة ودقة العبارة وجمالية التصوير البلاغي. واعتمد مؤلفه على المدرسة الأثرية في التفسير، من خلال تفسير القرآن الكريم بالقرآن والحديث وأقوال الصحابة والتابعين وأئمة التفسير المتقدمين. كما لجأ في أكثر من موضعٍ إلى تفسير غريب ألفاظ القرآن باللغة وديوانها الأمين الذي هو الشعر الأصيل، علاوةً على قدرته الحجاجية القوية في قضايا الفقه الخلافية مع ترجيحه للمذهب المالكي في أكثر من مسألة.