
يحظى شهر رمضان في المغرب عموما بأجواء متميزة لها طعم خاص، وتنفرد بها المملكة عن باقي الدول الإسلامية، فهي تجمع بين العبادة والمتعة والترفيه، ولذلك تستعد الأسر المغربية لاستقبال الشهر الفضيل بشكل احتفالي، خاصة في سنوات ما قبل جائحة فيروس كورونا.
ويعتبر شهر رمضان فرصة متجددة لتستعيد الأسر المغربية حرارة العلاقات الودية بين أفرادها، وللمحافظة على العادات والتقاليد الأصيلة التي يدعو إليها الإسلام، كما يكثر التزاور بين العائلات، والسهر وتجاذب أطراف الحديث حول مائدة الإفطار، ما يعطيها نكهة خاصة تجعلها تختلف عن غيرها في الأيام الأخرى.
وتتميز المأكولات لدى المغاربة في شهر رمضان المبارك بالتنوع، حسب كل جهة ومنطقة، لكن أهم ما يميز مائدة الإفطار لدى ساكنة الجنوب الشرقي عموما وإقليم تنغير على الخصوص هو حضور “الخبز بالشحمة”، المعروف لدى أهل المنطقة بـ”أغروم نتدونت”، وهي الأكلة التي لا تغيب عن مائدة رمضان.
“أغروم نتدونت”
بعد صلاة العصر تعكف النسوة في المطبخ على تحضير مائدة الإفطار، بإعداد أطباق تقليدية وأخرى عصرية منقولة من برامج تلفزية متخصصة في الطبخ، إلا أن “خبز الشحمة” أو “أغروم نتدونت” لا يغيب عن أي مائدة إفطار لدى ساكنة تنغير والجنوب الشرقي عموما.
ورغم مجموعة من البرامج المتخصصة في الطبخ التي يتم عرضها على قنوات وطنية ودولية، إلا أن الساكنة المحلية مازالت تحافظ على أصالة المائدة التقليدية، التي تربط الحاضر بالماضي.
حسن بنعيسى، من ساكنة إقليم تنغير، أكد أن لكل منطقة تقاليدها وعاداتها في ما يخص شهر رمضان المعظم، مضيفا أن “أهم ما يميز أهل الجنوب الشرقي هو أكلة ‘أغروم نتدونت’، التي لا يمكن أن تتصور مائدة بدونها، وهي خبز محشو بالبصل والبهارات والشحم”، وفق تعبيره.
وأضاف بنعيسى في تصريح لهسبريس: “هناك أطباق أخرى يتم تحضيرها في هذا الشهر الكريم، وتختلف حسب المناطق والوضع الاجتماعي للأسر”، لافتا إلى أن “أهم ما يميز ساكنة الجنوب الشرقي عموما هي قيم التضامن والتآزر على طول السنة، وليس فقط في هذا الشهر الكريم”.
من جهتها قالت جميلة عسينو: “في الحقيقة مائدة الإفطار بالجنوب الشرقي بدون خبز الشحم لا يمكن تصورها في أي بيت”، مضيفة: “هذه الأكلة هي الأفضل لدينا نحن أهل الجنوب، سواء الأمازيغ أو العرب، بدون استثناء”.
مكونات “أغروم نتدونت”
هذا النوع من الخبز يتم طهيه من طرف النسوة بالمنازل، وفي الشارع تجد صناع “الملوي” و”الحرشة” يصنعون أيضا “خبز الشحمة” أو “أغروم نتدونت”، الذي يلقى إقبالا كبيرا من طرف المواطنين الذين يتوجهون ساعات قبل موعد الإفطار لاقتنائه، خاصة “الزوافرية” (العزاب).
وحسب إفادة أحد صناع هذا النوع من الخبز في شارع بئر إنزران فإن هناك إقبالا كبيرا على “أغروم نتدونت”، موضحا أنه لا يقتصر على “الزوافرية”، بل يهم أيضا الأسر والعائلات التي تفضل شراءه على إعداده في المنزل.
وأوضح المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن إعداد هذا النوع من الخبز يتطلب أولا قبل كل شيء النظافة، وجلب مجموعة من المواد التي تستعمل في تحضيره، مثل البصل، والفلفل، والتوابل”، وزاد: “في بعض الأحيان تتم إضافة قطع صغيرة من اللحم إلى الشحم الذي يكون ضروريا”، مشيرا إلى أن المكونات المستعملة في هذا النوع بسيطة جدا.
عشاق الأكلة
لا شك أن المطبخ يشكل جزءا من ثقافة الشعوب وعنصرا مشكلا لهويتها. وكغيره من المناطق المغربية يشتهر الجنوب الشرقي عموما وإقليم تنغير على وجه الخصوص بأكلات شعبية يقبل المواطنون على تناولها يوميا ولا يترددون في تقديمها لضيوف المنطقة.
“يقبل أهل الجنوب الشرقي على هذه الأكلة على طول أيام السنة، ويعشقها الصغير قبل الكبير، وذلك لما يوجد بها من مكونات أساسية”، يقول جمال أيت بندريس، وزاد، في تصريح مقتضب لهسبريس: “كل منطقة معروفة بأكلة خاصة، و’خبز الشحمة’ موجود بكل ربوع المغرب، لكن تختلف مكوناته من مدينة إلى أخرى ومن منطقة قروية إلى أخرى”، لافتا إلى أن “خبز الشحمة” بالجنوب الشرقي يبقى “الأفضل وطنيا”.