خلّف فقدان الثقافة السينمائية المغربية لأحد أعمدتها ورموزها، نور الدين الصايل، أسىً عميقا في نفوس أهل الفن السابع، وفي نفوس عموم المثقفين المهتمين بعوالم الإبداع والجمال، وخاصة أولئك الذين عاشروا وعرفوا الراحل عن قرب.

من هؤلاء، المفكر المغربي محمد نور الدين أفاية، الذي لم يتردد في الاعتراف بفضل نور الدين الصايل في جعله يهتم بالفن السابع وتناوله في كتبه؛ بل إنه يؤكد أنه لولا الراحل “لما وجدت نفسي أهتم بالسينما وبالكتابة عنها”.

يقول أفاية إن رحيل نور الدين الصايل، الذي وافته المنيّة ليلة الثلاثاء الأربعاء، عن عمر ثلاث وسبعين سنة، أفقد الثقافة المغربية أحد أبرز مَن قاوم لإدماج قيم الإبداع والجمال في فهم الواقع والمجتمع والعالم في المغرب.

ويضيف بأن الصايل “لم يكن مجرد ناقد سينمائي، بل كان مربيا وأستاذا، وفاعلا تواصليا، وكان في كل ذلك مفكرا وصاحب بلاغة جاذبة”. وعلّق على بصمته البارزة وفِرادته قائلا: “كان صوتا لا يشبهه أحد، وطريقة حضور أصيلة، وعقلا تركيبيا، وطاقة عمل جبارة”.
تعود علاقة أفاية بنور الدين الصايل إلى ثمانينيات القرن الماضي، ونظرا للمكانة الكبيرة التي يتمتع بها الراحل، أو “الأستاذ”، كما يحب أفاية تلقيبه، فقد أهداه هذا الأخير أول كتاب ألّفه عن السينما.

ويقول عن هذه اللحظة: “أنا مقتنع بأنه لولاه لما وجدت نفسي أهتم بالسينما وبالكتابة عنها. واعترافي بأستاذيته جعلني، بشكل تلقائي، أهديه أول كتاب عن السينما بالمغرب بعنوان: “الخطاب السينمائي بين الكتابة والتأويل”، وأحسب أنه كان يستحق أكثر من ذلك”.

وبالرغم من أن “بعض البرودة استقرت في تواصل الرجلين”، فإن التقدير والإعجاب الذي يكنه أفاية للصايل لم يفتُر، وظل هذا الاعتراف عنده حاضرا إلى أن جمعهما المجلس الأعلى للتربية والتكوين في الخمس سنوات الأخيرة، “لنخلق سويا مناخا فكريا وإنسانيا خاصا في اللجنة المشتركة التي اشتغلنا فيها معا”.

اشتغال الرجليْن تحت سقف المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي كان مناسبة لتجديد صداقتهما وتعميق العديد من القضايا الفكرية التي تحركهما. ويؤكد أفاية أن نور الدين الصايل “كان موسوعة متحركة وذاكرة خصبة لا تنضب، وكان قارئا نهما”.

ويعرف الكثير من الناس أن الراحل كان أستاذا للفلسفة؛ لكن أفاية يؤكد أن هناك جانبا آخر لا يعرفه الكثيرون، وهو أنه كان من أكبر المتخصصين في فلسفة فيتجنشتاين، وكان يحاضر سنويا في جامعات ألمانيا عن فكر هذا الفيلسوف الذي أثر في العديد ممن اشتغل بفلسفة السينما، ومنهم سطانلي كافيل، وغيره.

وينعي أفاية صديقه الراحل وصديقَ كل المتيّمين بالجمال والإبداع بعبارات فحواها أن “فقدان هذا الرجل قاس ومحزن؛ ولكن حضوره سيبقى حتى بعد الغياب”.

hespress.com