لا يمكن الحديث عن العمل النقابي في المغرب منذ الاستعمار الفرنسي إلى اليوم دون استحضار رواده ومؤسسيه، الذين ساهموا بنضالاتهم داخل المعامل والمؤسسات في إرساء قواعده وأسسه.

عبد الرزاق أفيلال، الملقب بـ”الطنجاوي”، واحد من رموز العمل النقابي المغربي ومؤسسي الحركة النقابية، الذي وصفه الكاتب الفرنسي جيرارد فونتونو بـ”رجل يحمل وراءه مسارا نضاليا يقارب خمسين سنة”.

عبر حلقات تنشرها جريدة هسبريس الإلكترونية، نحاول تسليط الضوء على مسارات رجل تعليم ظل يتربع على عرش نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب لأكثر من أربعة عقود، من خلال شهادة خاصة يقدمها نجله الكاتب رشيد أفيلال.

الحلقة 5

عقب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي شهدها المغرب في بداية الثمانينيات، عاشت البلاد غليانا اجتماعيا، تمت مواجهته من لدن وزارة الداخلية بالقمع والترهيب، وسجلت اعتقالات واعتداءات جسيمة في صفوف النقابيين وغيرهم.

وبالرغم من توحد صفوف النقابات المغربية فيما يخص قضايا الوحدة الترابية، فإنها ظلت تعيش تفرقة داخليا، ليبدأ في سنة 1989 التفكير في الوحدة النقابية بشكل جدي.

وفي هذا الصدد، يحكي الكاتب رشيد أفيلال أن والده، النقابي الذي يقود الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، أكد على ضرورة وحدة العمل من أجل الإنقاذ، ليتم التنسيق حينها مع الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، على الرغم من عدم استجابة الاتحاد المغربي للشغل لهذه الخطوة.

وساهمت هذه الوحدة النقابية بين المركزيتين المذكورتين في جمع شمل الأحزاب الوطنية التي شكلت حينها معارضة بالبرلمان؛ وهو ما دفع هذه الأخيرة إلى تقديم ملتمس الرقابي لإسقاط الحكومة، والذي يأتي بعد مرور 26 عاما على تقديم أول ملتمس للرقابة.

ويورد الكاتب، في حديثه للجريدة، أن ما يزيد عن ثمانين برلمانيا ينتمون إلى أربعة أحزاب تقدموا في 14 ماي 1990 بطلب لإقالة الحكومة، وتحولت معها قاعة مجلس النواب إلى سجالات بين الأعضاء.

بعد ملتمس الرقابة، صعدت المركزيتان النقابيتان من لهجتهما، لتقررا خوض إضراب عام بتاريخ 14 دجنبر 1990؛ وذلك احتجاجا على تردي الوضعية المادية والمعنوية للشغيلة، وتفشي البطالة.

واعتبر الكاتب رشيد أفيلال، أن الإضراب العام، الذي دعت إليه النقابة التي يقودها والده إلى جانب الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، كان شبيها بـ”الربيع الديمقراطي” الذي شهدته مجموعة من الدول، مؤكدا أن المغرب تمكن في التسعينيات من تجاوز تداعيات الربيع.

وقبل تنفيذ الإضراب العام بيومين، حاولت الحكومة تهدئة المركزيتين النقابيتين، عبر دعوتهما إلى الحوار لدراسة ملفهما المطلبي، حيث حضر إدريس البصري، وزير الداخلية، إلى جانب مسؤولين أمنيين وعسكريين بدل الوزراء في اللقاء الذي ترأسه الوزير الأول عز الدين العراقي.

ويحكي رشيد أفيلال، نقلا عن والده، أن وزير الداخلية خاطب النقابيين بلهجة حادة، محملا إياهم مسؤولية النظام العام وتبعات الإضراب العام؛ ما دفع ممثلي النقابتين إلى الانسحاب، حيث نجح الإضراب العام وفشلت السلطات في استتباب الأمن والحفاظ على سلامة المواطنين، إذ تسببت هذه الأحداث في قتل وجرح المئات.

hespress.com