الخميس 06 غشت 2020 – 07:55
يتأرجح الإحساس العام داخل مدينة أكادير بين سُخطٍ على الوضع الذي آلت إليه “عاصمة سوس” وبين أمنيات بمستقبل أفضل لها، بعد التفاتة المركز الأخيرة إليها، وما تلاها من إعطاء الانطلاقة لمشاريعَ اقتصادية مهمة، وتوقُّعِ الشروع في إنجاز مشاريعَ أخرى كبيرة، وفي مقدمتها مشروع القطار فائق السرعة.
حاليا، تعيش مدينة أكادير على وقْع ركود شبه تام، بعدما توقّف جريان الدم في العصَب الرئيسي المحرّك لدورتها الاقتصادية، وهو السياحة، جرّاء تفشي جائحة كورونا، كما هو حال باقي المدن السياحية؛ لكنْ قبل انتشار الجائحة فقدتْ أكادير كثيرا من بريقها الجاذب للسياح، ويسود اعتقاد لدى أهل المدينة بأنّ “تهميش” مدينتهم كان مقصودا.
وثمّة مَن ينطلق في تأكيد هذا الاعتقاد بعقْد مقارنة بين السرعة الفائقة التي نهضتْ بها مدينة مراكش حتى صارت الوجهة السياحية رقم واحد في المغرب، والسرعة نفسها التي تهاوتْ بها مدينة أكادير من عرش المدن الأكثر استقطابا للسياح إلى الرتبة الثانية.
ويستند الذين يعتقدون بأن مدينة أكادير كانت “ضحية تهميش مقصود” إلى جملة من المعطيات؛ من بينها أن أسعار التنقل عبر الطائرة من الدول الأوروبية التي يفد منها السياح إلى أكادير أغلى بكثير من الأسعار المطبقة في اتجاه مدن أخرى كمراكش، رغم وجود نفس المسافة تقريبا، ويفسرون ذلك بأنه “إبعاد للسياح من أكادير بشكل غير مباشر”.
وفيما يصعب التأكد من صحة هذا المُعطى، فإن التهميش حاضر في علاقة المركز بجهة سوس ماسة عموما، كما يرى توفيق سميدة، فاعل جمعوي بمدينة أكادير، ويؤكد أنّ هذا الأمر ليس انطباعا سائدا؛ بل تؤكده المعطيات والأرقام الرسمية الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، والتي تقول “بأن المركز يأخذ من جهتنا الكثير ولا يعطيها سوى القليل”.
آمال معلّقة
في شهر فبراير الماضي، زارَ الملك محمد السادس مدينة أكادير، وأعطى بها انطلاقة مجموعة من المشاريع الكبرى، أسهمتْ في تهدئة الغضب السائد وسط سكان المدينة ودفع بهم إلى خوض أشكال احتجاجية بغية حث المسؤولين على التدخل لإنقاذ “مدينة الانبعاث”.
وتبدو مدينة أكادير، حاليا، مختلفة عمّا كانت عليه في السابق، أيام الازدهار السياحي والرواج الاقتصادي والتجاري، ويظهر الفارق بين ماضي المدينة وحاضرها واضحا عند عتبات البازارات في شارع مُفْض إلى المنطقة السياحية، حيث تبرز أقفال كبيرة وقد أطبقت دِفافَ أبواب المحلات التي كانت تعجّ بالسياح، وهجرها أصحابها رغما عنهم، بسبب الركود التجاري.
على جنبات أدراجٍ مُفضية إلى المنطقة السياحية عبر شارع 20 غشت، ثمّة مُروج جفّت نباتاتها، وحلّت محلّها قناني خمور فارغة وأعقاب سجائر، ووسط فناء توجد به محلات بيع منتجات الصناعة التقليدية تفوح رائحةُ المخلفات البيولوجية للعابرين والمشردين، وعند المنعطف مطعم فارغ عن آخره وقت الغذاء يعكس وضعية الركود التام الذي ترزح تحت وطأته المدينة بعد توقف نبض شريان السياحة.
ويعلق سكان أكادير الآمال على المشاريع المُدشنة خلال الزيارة الملكية الأخيرة، لتطعيم مواردها المالية بروافد جديدة، بعد تراجع الموارد المتأتية من السياحة وتضرر القطاع الفلاحي المُنعش لخزينة جهة سوس ماسة جراء الجفاف؛ بينما يرى توفيق سميدة أن هذه المشاريع “ستجعل أكادير مطابقة لمعايير المدينة وقادرة على استقطاب الاستثمارات”.
إقصاء ممنهج
لا يتردد توفيق سميدة في القول بأن جهة سوس ماسة عموما تتعرض “لإقصاء ممنهج”، ويعلل هذا الاعتقادَ بأن عددا من القطاعات الوزارية تساهم بحصص مهمة تصل إلى الثلث في الميزانيات المخصصة لتأهيل مدن أخرى عرفتْ نهضة خلال السنوات الأخيرة؛ لكنّه يحمّل المسؤولية أيضا للمجلس الجماعي المسيّر لمدينة أكادير.
يقول: “ليس لديهم تصوّر ولا كفاءات، وطريقة تنفيذ برنامج عملهم ليست في مستوى طموحنا. كما أنهم يعانون من ضعف على مستوى الترافع لدى القطاعات الوزارية لدعم المشاريع المنجزة بالمدينة”، مضيفا: “الحزب الذي يسيّر المجلس الجماعي لأكادير يسيّر كثيرا من الجماعات بجهة سوس ماسة، ورؤساء هذه الجماعات أغلبهم برلمانيون يلتقون بالوزراء وأصحاب القرار؛ لكنهم عاجزون عن الترافع لفائدة مدنهم كما يفعل منتخبو مدن أخرى”.
في شهر دجنبر 2019، وجّه مئاتُ المواطنين من سكان وفعاليات المجتمع المدني بأكادير عريضة إلى رئيس المجلس الجماعي المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية، عبروا فيها عن عدم رضاهم عن طبيعة الأشغال المتعلقة بتهيئة شوارع ومدارات المدينة، وعن “استهجانهم” لطريقة تدبير المصالح الجماعية لهذه الأوراش، و”رفضهم التام” لما ستؤول إليه.
عريضة “عدم الرضا”، التي وقعها 2182 شخصا، دعت رئيس المجلس الجماعي لمدينة أكادير إلى “ضرورة مراجعة تصوركم لأوراش التهيئة، خاصة أنها ممولة من جيوب المواطنين، دافعي الضرائب”. كما طالبوه بمراجعة تصور المجلس الجماعي لتأهيل المشهد الحضري لمدينة أكادير، مع الأخذ بعين الاعتبار ملاحظات وتظلمات الساكنة وتوجيهات الملك.
بصيص أمل
وفي غمرة “عدم رضا” ساكنة مدينة أكادير عن وضع المدينة حاليا، يحتفظون ببصيص أمل في غد أفضل، إذا تمّ استكمال الأوراش المفتوحة حاليا، أو التي ستتم مباشرتها قريبا، ومنها ورش إعادة تهيئة كورنيش المدينة.
هذا الورش يرى البعض أنه “مَضيعة للمال”، على اعتبار أن المنطقة السياحية خضعت لإعادة تأهيل قبل سنوات قليلة فقط؛ غير أن توفيق سميدة يرى أن هذا المشروع سيكون نافعا للمدينة إذا نُفّذ وفق التصور المُعلن عنه، وأُنجز في الأجل المحدد له، حيث سيكون بمثابة جسر يربط المنطقة السياحية بوسط المدينة.
ويرى أن هذا المشروع إذا تحقق سيوسّع نطاق تحرّك السياح الوافدين على المدينة، عبر خلق ممرات من المنطقة السياحية المحاذية للشاطئ، والتي تستحوذ على أغلب الوقت الذي يقضيه السياح في أكادير، نحو باقي مناطقها، كحي تالبرجت وسوق الأحد وغيرهما… ما يعني رواجا تجاريا في هذه المناطق، مضيفا: “هذا سيكون في صالح المدينة”.
وفيما تُعلق الآمال على المشاريع المرتقبة لإخراج أكادير من ركودها وعزلتها، تعكسُ المشاهد التي تلتقطها عين الزائر الواقعَ المتردّي للمدينة حاليا، حيث شُلّت بعض المرافق التي كانت تضجّ بالحياة، حتى وسط المنطقة السياحية نفسها.
خلْف الشباك الحديدي الأخضر المطوِّق لحديقة وادي الطيور، تلتقط العين مشاهدَ كئيبة أبطالها حيوانات ذات أجسام ذابلة، تبحث عمّا تأكل فلا تجد غيرَ الحشائش النابتة في أرض الحديقة التي أصبحت أشبه بأرض قاحلة يعمها الصمت بعد أن توقّف خرير المياه التي كانت تتدفق من شلال اصطناعي وسطها، وأحال البركة الكبيرة التي تسبح فيها الإوزُّ إلى حوض به قليل من الماء المكسوّ بلون الطحالب الخُضر.
في الجهة الأخرى، تمّت إحاطة السياج الحديدي للحديقة المُغلقة بحواجب قصديرية، في انتظار الشروع في أعمال إعادة تهيئتها، لإخراجها من وضعها المتردّي الذي عكسه نفوق عدد من أصناف الحيوانات النادرة والطيور داخلها شهر يونيو الماضي، وتعكسه حاليا مناظر أكوام الأزبال في جوانبها، والرائحة الكريهة المنبعثة من أحشاء ورؤوس أسماك مَرمية جوار بابها الرئيسي لتلقتطها القطط الضالة المرابطة هناك.