من أجل إقرار “الحق في التربية الإعلامية” بالمملكة، بوصفه “قضية حماية ذاتية وقضية مواطنة” تؤمّن للمواطن “المشاركة الفعلية في الحياة العامة وفي تدبير رأيه وممارسته الديمقراطية، إلى جانب وسائل الإعلام، وفقا لمقتضيات الدستور”، يرافع عبد اللطيف بن صفية، مدير مركز الأبحاث والتربية الإعلامية (CREM) مدير المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط (ISIC).

وقال بن صفية في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية إن هذه المرافعة تأتي “وبلادنا تواجه تحديات جمة داخليا وخارجيا، مما يستدعي تأطير المواطن بجعله متمكنا من الروافد والأدوات الإعلامية، وفهم رسائلها واستخدامها على الوجه الصحيح”.

وأكد الأكاديمي أن ترجمة هذه المرافعة هو “الوعي بالحاجة إلى إعلام وطني قوي ورصين، يكون محوره المواطن الذي يعي دوره جيدا في الفضاء العمومي”، واستحضارها “التوسع الهائل لاستخدام أدوات الإعلام الرقمي، وشبكاته الاجتماعية، والتعرض لمضامينه وخطاباته، خاصة بالنسبة لفئة الشباب والناشئين، مع ما يمكن أن يصاحب ذلك من آثار تتفاوت خطورتها نتيجة التداول المفرط في وقتنا الحاضر للأخبار المغرضة والزائفة والكاذبة والمضللة، ومع انتشار خطابات الكراهية ومحاولات الاستغلال متعدد الأشكال”.

كل هذه المعطيات “تسائلنا جميعا عن سبل حماية وتحصين أجيالنا”، يتابع مدير مركز الأبحاث والتربية الإعلامية، الذي عبر عن قناعته التامة بأن “التربية الإعلامية يمكنها العمل في العمق، كآلية استراتيجية لإعادة ترتيب مجتمع الإعلام؛ بإيلاء المواطن، خاصة الناشئ، موقعا جديدًا كفاعل أساسي بين مكونات سيرورة ومنظومة الإعلام”.

وفي نص مرافعته، أبرز الأكاديمي عبد اللطيف بن صفية مدى الحاجة إلى إقرار “الحق في التربية الإعلامية” نظرا إلى “عدم تكافؤ صيغة التعاقد بين الإعلام والمواطن”، بفعل تعرض هذا الأخير “للوسائط الإعلامية وخطاباتها دون حماية، ظنا منه أنها تخدم مصالحه وتلبي انتظاراته، وفق ذات التعاقد الذي أجمعت عليه مختلف الاجتهادات العلمية في المجال الإعلامي”.

وأضاف أن أهمية “التربية الإعلامية” تَبرز أيضا عند استحضار كون وسائل الإعلام “أدوات لتداول وإشعاع الإيديولوجية المسيطرة”، يمكنها “إحداث تأثير عميق على تنظيم العلاقات الاجتماعية، وعلى شعور وقيم وسلوك الأفراد”، إضافة إلى أن تأثير الإعلام له علاقة بـ”الآراء المتاحة سلفا، وبشبكات العلاقات الشخصية، وبدور قادة الرأي”، وأن وسائله “لا تعكس جميع الآراء المتاحة في الفضاء العمومي، وإنما جزءا منه (مسموحا له) بذلك حسب (إجماع مصطنع)”.

وفي المرافعة ذاتها، أوضح بن صفية أن اختيار المادة الإعلامية التي يحبذها الجمهور يرجع أيضا إلى سلطة الجمهور نفسه، وهو ما يجعل “آثار وسائل الإعلام غير مباشرة؛ حيث يتم الحد من مفعولها عند الاستقبال”، إضافة إلى أن وسائل الإعلام “تساهم بالفعل في توحيد الجسم الاجتماعي حول ثقافة مشتركة إذا تم التعامل مع رسائلها بوعي ومسؤولية”.

وذكر المترافع أن مِن منطلقات ترافعه من أجل “إقرار حق المواطن في التربية الإعلامية”، وعيٌ بـ”الآثار السلبية لاستعمالات وسائل الإعلام والتعرض لها من طرف جميع فئات المجتمع، خاصة الشباب والفئات الهشة”؛ لأن “التربية على وسائل الإعلام، أو التربية الإعلامية، تمكن من التوعية لخلق إطار جديد ودائم يشجع وينشط الحوار والنقاش بين مختلف الفاعلين”، عن طريق “التدريب على الإلمام الصحيح بدور الإعلام، والفهم الدقيق لتقنياته وخطابه، والاستعمال الفعال لأدواته، والإشعاع الواسع لثقافته”.

وأبرز مدير المعهد العالي للإعلام والاتصال، في المرافعة ذاتها، دور “التربية الإعلامية” المتمثل في توفيرها لفئة الشباب خاصة، “القدرة على فهم الرسائل والخطابات الإعلامية، بين المعلومات والآراء، بشكل جيد”، وجعلها إياهم “يستعملون برزانة وفعالية الأدوات والوسائط الإعلامية في مناسبات شتى”، وتمكينها لهم من “تمَلُّك أدوات التعبير، وثقافة التواصل التقليدية والحديثة”.

واسترسل بنصفية شارحا بأن “التربية الإعلامية”، بوصفها “إطارا ثقافيا ونقديا، لضبط الرسائل والخطابات الإعلامية”، يُمكّن من “فهم النشاط الإعلامي في مواصفاته المهنية والأخلاقية الحقيقية المتداولة عالميا”، مسلطا الضوء على كون هذه التربية “آلية للحماية الذاتية والجماعية من الاستعمال الهدام أو المغرض لوسائط الإعلام، خاصة الجديدة منها”.

وخلص الأكاديمي في مرافعته من أجل إقرار “حق المواطن في التربية الإعلامية” بالبلاد، إلى أن هذا الحق “دعامة أساسية في بناء فضاء عمومي مواطن بالمغرب، يرقى بالإنسان ويقود تنمية المجتمع”، نظرا لكون التربية الإعلامية “كفيلة بمد المواطنين والفاعلين، لا فقط بالأدوات الإعلامية التي تجعلهم يبلغون آراءهم إلى الرأي العام، بل أيضا بإقناع وسائل الإعلام حتى تنفتح عليهم وعلى قضاياهم”.

وأجمل مدير مركز الأبحاث والتربية الإعلامية عبد اللطيف بنصفية، في ختام مرافعته، بالقول إن “تَمَكُّن مختلف الفاعلين من أدوات وثقافة وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، هو الضامن لخلق فضاء عمومي مواطن، من شأنه تجميع وتحفيز الفاعلين للخوض في مختلف جوانب النقاش العمومي الذي يروم الدولة والمجتمع والمؤسسات والحياة اليومية، وفقا لشروط وقواعد المواطنة”.

hespress.com