ما قصة العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ لماذا اتخذ الملك الراحل الحسن الثاني مواقف مناوئة للثورة الإيرانية منذ اللحظة الأولى لقيامها؟ ولماذا غير موقفه بعد ذلك؟ كيف تدخلت الجزائر على الخط في اللحظات الأولى وأرادت إفساد العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ كيف استقبلت النخبة المغربية الثورة الإيرانية بعد قيامها؟ وكيف كان أداء المغرب خلال الحرب العراقية ــ الإيرانية؟

هذه الأسئلة وغيرها نتابع الإجابة عليها خلال شهر رمضان مع كتاب الباحث الدكتور إدريس الكنبوري “أمير المؤمنين وآية الله.. قصة المواجهة بين الحسن الثاني والخميني”، الذي خص به جريدة هسبريس.

الحلقة الرابعة

يعد الرحالة المغربي ابن بطوطة صاحب أقدم وثيقة تاريخية يمكن التعويل عليها في التعرف على البصمات الأولى للعلاقات بين المغرب وفارس. فقد وصل هذا الرحالة إلى فارس قادما إليها من العراق في عام 727 للهجرة (1327 للميلاد)، وكانت أصفهان أول مدينة حط بها، وقد وصفها بأنها “من كبار المدن وحسانها”.

ويبدو أنه اطلع على جوانب من الصراع القائم بين السنة والشيعة لدى وصوله، أو طارت إليه أنباء بذلك، وإن لم يتحدث عن ذلك الصراع في رحلته، فقد أضاف متحدثا عن أصفهان “إلا أنها الآن قد خرب أكثرها بسبب الفتنة بين أهل السنة والروافض، وهي متصلة بينهم حتى الآن فلا يزالون في قتال”.

وأثناء مدة إقامته في أصفهان كان نزوله بإحدى الزوايا التي كانت تكثر في مدن إيران الفارسية، حيث قال: “وكان نزولي بأصفهان في زاوية تنسب للشيخ علي بن سهل تلميذ الجنيد، وهي معظمة يقصدها أهل تلك الآفاق ويتبركون بزيارتها، وفيها الطعام للوارد والصادر”.

ونستطيع أن نتلمس من خلال هذا الكلام أن هناك مؤثرات صوفية مشتركة بين المغرب وفارس ترجع إلى الجنيد، الذي عاش في بغداد قريبا من فارس خلال النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، وهو ما أجمع عليه علماء المغرب إلى جانب الأشعرية في الأصول والمالكية في الفروع، على حد ما عبر عن ذلك عبد الواحد بن عاشر السلوي، الذي عاش في القرن الحادي عشر الهجري، في بيته الشهير:

في عقد الأشعري وفقه مالك *** وفي طريقة الجنيد السالك

ويروي ابن بطوطة قصة طريفة حصلت له مع أحد أقطاب التصوف وأحد علماء فارس البارزين في ذلك العصر، وشيخ الزاوية التي نزل بها، واسمه قطب الدين حسين بن الشيخ الصالح ولي الله شمس الدين محمد بن محمود بن علي، المعروف بالرجاء. فقد رأى ابن بطوطة جبة بيضاء للشيخ معلقة تحت الشمس بعد غسلها، فحدثته نفسه بتمنيها، ولكن الشيخ صاحب الكرامات اطلع على حديث النفس ذاك وعلم ما يجول في خاطر الرحالة المغربي، فأمر بخلعها عليه.

وها هو نص الحكاية كما ورد على لسان ابن بطوطة باختصار: “أقمت عند الشيخ قطب الدين بهذه الزاوية أربعة عشر يوما، فرأيت من اجتهاده في العبادة وحبّه في الفقراء والمساكين وتواضعه لهم ما قضيت منه العجب، وبالغ في إكرامي وأحسن ضيافتي، وكساني كسوة حسنة. وساعة وصولي الزاوية بعث إليّ بالطعام وبثلاث بطيخات من البطيخ الذي وصفناه آنفا، ولم أكن رأيته قبل ولا أكلته. دخل عليّ يوما بموضع نزولي من الزاوية، وكان ذلك الموضع يشرف على بستان للشيخ، وكانت ثيابه قد غسلت في ذلك اليوم ونشرت في البستان، ورأيت في جملتها جبّة بيضاء مبطنة تدعى عندهم هزرميخي، فأعجبتني، وقلت في نفسي: “مثل هذه كنت أريد”، فلما دخل عليّ الشيخ نظر في ناحية البستان، وقال لبعض خدّامه: “ائتني بذلك الثوب الهزرميخي”، فأتوا به، فكساني إياه، فأهويت إلى قدميه أقبّلهما، وطلبت منه أن يلبسني طاقية من رأسه، ويجيزني في ذلك بما أجازه والده عن شيوخه، فألبسني إياها في الرابع عشر لجمادى الأخيرة سنة سبع وعشرين وسبعمائة بزاويته المذكورة”.

وهذا الخلع يدل على التقدير والاحترام، لأن خلع الأردية على الأشخاص يشير إلى ضرب من التكريم، على نحو ما نرى في قصة الشاعر كعب بن زهير صاحب “بانت سعاد” مع النبي صلى الله عليه وسلم الذي خلع عليه بردته، وغيرها كثير في السيرة النبوية. ولم يكتف ابن بطوطة بأن حصل على تلك الجبة، بل طلب من الشيخ إجازته، وبذلك يكون ابن بطوطة أحد أعلام المغرب الذين حصلوا على إجازة من علماء إيرانيين.

ولكن هذا لا يعني أن ابن بطوطة لم يكن يميز بين الخط السياسي في التشيع، الذي يطلق عليه “الروافض” في رحلته، وبين خط حب آل البيت. نرى ذلك بوضوح في قصة ملك العراق محمد خذابندة، التي يرويها مع التعليق عليها. ففي مرحلة كفره كان يصاحب هذا الملك فقيه من الروافض الإمامية يسمى جمال الدين بن المطهر “فلما أسلم السلطان المذكور وأسلمت بإسلامه التتر زاد في تعظيم هذا الفقيه، فزين له مذهب الروافض وفضله في غيره، وشرح له حال الصحابة والخلافة، وقرر لديه أن أبا بكر وعمر كانا وزيرين لرسول الله، وأن علياً ابنُ عمه وصهره، فهو وارث الخلافة، ومثل له ذلك بما هو مألوف عنده من أن المُلك الذي بيده إنما هو إرث عن أجداده وأقاربه مع حداثة عهد السلطان بالكفر، وعدم معرفته بقواعد الدين. فأمر السلطان بحمل الناس على الرفض، وكتب بذلك إلى العراقيين وفارس وأذربيجان وأصفهان وكرمان وخراسان، وبعث الرسل إلى البلاد، فكان أول بلاد وصل إليها بغداد وشيراز وأصفهان”.

ويقصد ابن بطوطة جمال الدين بن المطهر الحلي، وهو أحد المراجع الشهيرة لدى الشيعة، وتلميذ نصير الدين الطوسي، وهو صاحب الكتاب المعروف “منهاج الكرامة”.

hespress.com