السبت 17 أبريل 2021 – 22:03
ما قصة العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ لماذا اتخذ الملك الراحل الحسن الثاني مواقف مناوئة للثورة الإيرانية منذ اللحظة الأولى لقيامها؟ ولماذا غير موقفه بعد ذلك؟ كيف تدخلت الجزائر على الخط في اللحظات الأولى وأرادت إفساد العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ كيف استقبلت النخبة المغربية الثورة الإيرانية بعد قيامها؟ وكيف كان أداء المغرب خلال الحرب العراقية ــ الإيرانية؟
هذه الأسئلة وغيرها نتابع الإجابة عليها خلال شهر رمضان مع كتاب الباحث الدكتور إدريس الكنبوري “أمير المؤمنين وآية الله.. قصة المواجهة بين الحسن الثاني والخميني”، الذي خص به جريدة هسبريس.
الحلقة الثالثة
تمتد العلاقات بين المغرب وإيران إلى جذور التاريخ، رغم ما يبدو في الظاهر من تباعد بين البلدين جغرافيا. وتقول بعض الدراسات إن ملك فارس الشهير بكوروش الكبير، أو قورش، الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد، قد وصل إلى البحر القريب من المغرب. وتتحدث دراسات أخرى عن تسرب العقيدة المانوية، التي كانت تؤمن بوجود إلهين اثنين، واحد للخبر وآخر للشر، إلى بلاد المغرب وافريقية، بدليل أن القديس أغوسطينوس، الذي عاش خلال النصف الأول من القرن الخامس الميلادي، كان مانويا قبل أن يعتنق المسيحية ويصبح أحد قديسيها البارزين.
ومع مجيء الإسلام وانتقال التيارات الدينية من مكان إلى آخر، تسللت خلال المائة الثانية للهجرة بعض المعتقدات الشيعية من بلاد فارس إلى افريقية والمغرب، فتأسست أولى الدويلات الشيعية وهي الدولة الرستمية، بزعامة عبد الرحمان بن رستم الذي نزل القيروان سنة 141 للهجرة وأنشأ بها دولته وعاصمتها تاهرت. وكلمة “رستم” تعني بالفارسية البطل أو الشجاع، وهي كلمة نجدها في أشهر الملاحم الفارسية، ملحمة الشاهنامة، أو شاهنامة الفردوسي، وفيها اسم “رستم بن زال بن سام”.
وفي أعقاب الدولة الرستمية، قامت الدولة العبيدية الفاطمية في نهاية القرن الثالث الهجري، على يد أبي عبد الله الشيعي، الذي قضى على حكم الأغالبة. وقد بقي عبيد الله مستويا على الحكم باعتباره الزعيم والإمام إلى وفاته، حيث أسند الحكم إلى القائم بأمر الله ثم المنصور بالله، ليصل الدور على المعز لدين الله الفاطمي الذي كان له فضل نقل مركز الخلافة إلى القاهرة وإنشاء الدولة الفاطمية، نسبة إلى فاطمة عليها السلام، ابنة الرسول صلى الله عليه وسلم وزوج الإمام علي عليه السلام.
وينظر كثير من المؤرخين إلى دخول المولى إدريس المغرب، فارا من وقعة فخ التي شهدتها ضواحي مكة عام 169 للهجرة، بعد إبادة العباسيين للعلويين، على أنه بداية تسرب الثقافة الشيعية إلى المغرب، أي الثقافة التي تمجد آل البيت وتمحضهم الموالاة وتعترف لهم بالسيادة. وما تزال بعض الملامح الاجتماعية والطقوس في المغرب، مثل عاشوراء، تشهد على امتصاص المغاربة لبعض جوانب التعاطف مع آل البيت في محنتهم على يد العباسيين.
ولكن المغرب لم يكتف بأن يستقبل الثقافة الشيعية الفارسية، بل كان يرسل أيضا ثقافته التي كانت لها فضل الجمع بين الثقافة المغربية والثقافة الأندلسية. فخلال القرن الرابع الهجري، رحل أبو عثمان سعيد بن سلام المغربي القيرواني إلى فارس، حيث ظل بها إلى أن وافته المنية عام 373 للهجرة بمدينة نيسابور. ويعد أبو عثمان من كبار أقطاب التصوف السني المغربي، وقد قال عنه أبو القاسم القشيري، صاحب الرسالة الشهيرة التي تحمل اسمه: “واحد عصره، لم يوصف مثله قبله، وكان في الرياضة كبير الشأن”.
وهناك عالم مغربي آخر انتقل إلى فارس للعيش فيها، هو يحيى بن محمد بن أبي الشكر المغربي الملقب بمحيي الدين، وذلك في القرن السابع الهجري، في عهد العالم والمُنجم نصير الدين الطوسي المتوفى سنة 672، واشتغل إلى جانبه في مرصد “مراغة” الذي بناه المغول لمراقبة النجوم ودراسة أحوالها ووضعوا الطوسي رئيسا عنه، وكان الطوسي قد اختاره نظرا لخبرته في علم التنجيم.
ويجب أن نذكر الصوفي الأندلسي الشهير محيي الدين بن عربي، الذي انتقل فكره إلى فارس الشيعية وأثر بشكل كبير على النزعة الصوفية في التشيع الفارسي، وما يزال إلى حد اليوم يدرس وتشرح كتبه ومؤلفاته. ومن أهم شروح كتاب “فصوص الحكم” لابن عربي شرح ألفه علامة فارسي معروف هو عبد الرحمان الجامي، المتوفى سنة 898 هجرية. ويعد الجامي من مشاهير الشعراء الفرس الكبار، ومن المفارقات في حياته، وهو الذي كف على شرح ابن عربي الأندلسي، أن وفاته كانت في العام نفسه الذي سقطت فيه غرناطة، أي 1492 للميلاد.