ما قصة العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ لماذا اتخذ الملك الراحل الحسن الثاني مواقف مناوئة للثورة الإيرانية منذ اللحظة الأولى لقيامها؟ ولماذا غير موقفه بعد ذلك؟ كيف تدخلت الجزائر على الخط في اللحظات الأولى وأرادت إفساد العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ كيف استقبلت النخبة المغربية الثورة الإيرانية بعد قيامها؟ وكيف كان أداء المغرب خلال الحرب العراقية ــ الإيرانية؟

هذه الأسئلة وغيرها نتابع الإجابة عليها خلال شهر رمضان مع كتاب الباحث الدكتور إدريس الكنبوري “أمير المؤمنين وآية الله.. قصة المواجهة بين الحسن الثاني والخميني”، الذي خص به جريدة هسبريس.

الحلقة السادسة

بعد عامين على زيارة شاه إيران للمغرب، رد الحسن الثاني الزيارة في شهر أبريل من العام 1968. وقد جاءت الزيارة بعد عام على هزيمة 1967 أمام إسرائيل، تلك الهزيمة التي وجهت ضربة موجعة إلى نظام جمال عبد الناصر والفكرة القومية.

وإذا كانت الهزيمة في جانبها العسكري قد شكلت خسارة للقضية الفلسطينية، لأنها دفعت إسرائيل إلى التقدم خطوة إلى الأمام والاستيلاء على القدس، فإنها من جانب آخر كانت مكسبا سياسيا وإيديولوجيا بالنسبة إلى الدول العربية التي كانت على خلاف مع النظام الناصري، وبينها المغرب والمملكة العربية السعودية، حيث كان الحسن الثاني على غير وئام مع القاهرة حتى ذلك الحين. وسوف يكون انقلاب الضباط الليبيين، تحت قيادة معمر القذافي، ضد النظام الملكي والإطاحة بالملك محمد إدريس السنوسي في الفاتح من شتنبر 1969، رسالة سلبية إلى الحسن الثاني، مفادها أن المحور الذي تقوده مصر الناصرية لا يريد التعايش مع الأنظمة الملكية.

لذلك، جاءت زيارة الحسن الثاني إلى طهران، في أجواء الهزيمة العربية، كمحاولة لإحياء محور إسلامي في مواجهة المحور العربي القومي الذي يتزعمه عبد الناصر صاحب الشعبية الكاسحة في ذلك الوقت لمواقفه العلنية ضد أمريكا وإسرائيل.

وهذا ما حصل فعلا بعد أقل من عام، حين تم الإعلان عن إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي في الرباط في شتنبر من عام 1969، بعد شهر واحد على حريق المسجد الأقصى الذي دبرته إسرائيل في شهر غشت من العام ذاته.

وفي واقع الأمر، يمكننا قراءة نشأة المنظمة في إطار الصراع الإيديولوجي بين فكرة الأسلمة وفكرة العروبة، ومواجهة الثانية بالأولى؛ فإذا كان عبد الناصر يستقوي بالدول العربية داخل جامعة الدولة العربية، فإن المحور الذي تقوده السعودية يريد أن يذهب أوسع من ذلك بأن يوسع الدائرة إلى العالم الإسلامي كله، بحيث تصبح العروبة مجرد مكون من مكونات تلك الدائرة.

في خطابه في حفل العشاء الذي أقامه الشاه على شرف ضيفه الكبير، أشار الحسن الثاني إلى ضرورة التئام الصف الإسلامي، حيث قال: “وحري بنا في هذه الظروف الحافلة بالمشاكل والأزمات أن نستخلص من تاريخنا الإسلامي المجيد العبر والعظات، وأن نستعيد تلك الألفة التي جمعت شمل المسلمين في عهد من عودهم الزاهرة، ونستأنف سيرة الهداة المهتدين الذين كان الإيمان يغمر قلوبهم، وهدي القرآن ينير سبيلهم، ويبعث في نفوسهم الرغبة في الاعتصام بحبل الله، والحرص على التواصل والتقارب والتفاهم والتعاون؛ فإذا سلكنا هذا الطريق المستقيم، وأخذنا أنفسنا بالتزام تعاليم الدين الحنيف، سهل على الشعوب الإسلامية جمعاء أن تلم شتاتها وتكتل قواها وتحكم صلاتها”.

لقد كان واضحا من خلال لهجة الخطاب والتركيز على العدوان الصهيوني الرغبة في إحياء الاجتماع الإسلامي وتوحيد الصف، من خلال إنشاء منظمة أوسع تجمع جميع البلدان الإسلامية التي يوحد بينها الدين الإسلامي، وليس فقط مجرد الانتماء إلى الجنس العربي. وبقدر ما كان إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي تقزيما للجامعة العربية وإفشالا لإيديولوجيا القومية العربية بقدر ما كان أيضا توسيعا لدائرة الصراع مع إسرائيل، عبر إخراج القضية الفلسطينية والقدس من كونها قضية عربية إلى كونها قضية إسلامية تهم جميع المسلمين في الأرض، لو أن القطار سار في سكته كما يجب.

وفي خطابه أمام مجلس الشيوخ الإيراني، حرص الحسن الثاني على أن يغازل إيران، بإظهار فضلها على الإسلام العربي، حيث ذكر عددا من العلماء والفقهاء ذوي الأصول الفارسية، من أمثال الحافظ الترمذي وأبي داوود والطبري والرازي وابن سينا والخوارزمي والبيروني والطوسي والثعالبي والتبريزي والميداني والفيروزبادي والفرودسي وعمر الخيام، وقال: “ولئن كان هؤلاء الأعلام وغيرهم من الرجال العظام ينتمون بحكم الأرومة والنسب إلى هذه البلاد الشقيقة، فإنهم باعتبارهم مسلمين لا يمتون بسبب إلى بلد معلوم وقطر محدود، وإنما هم أبناء أمة وصل بين أجزائها الإسلام، وآخى بين أفرادها العقيدة والإيمان”.

hespress.com