الأربعاء 28 أبريل 2021 – 21:00
ما قصة العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ لماذا اتخذ الملك الراحل الحسن الثاني مواقف مناوئة للثورة الإيرانية منذ اللحظة الأولى لقيامها؟ ولماذا غير موقفه بعد ذلك؟ كيف تدخلت الجزائر على الخط في اللحظات الأولى وأرادت إفساد العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ كيف استقبلت النخبة المغربية الثورة الإيرانية بعد قيامها؟ وكيف كان أداء المغرب خلال الحرب العراقية ــ الإيرانية؟
هذه الأسئلة وغيرها نتابع الإجابة عليها خلال شهر رمضان مع كتاب الباحث الدكتور إدريس الكنبوري “أمير المؤمنين وآية الله.. قصة المواجهة بين الحسن الثاني والخميني”، الذي خص به جريدة هسبريس.
الحلقة الرابعة عشرة
رغم المواقف الحادة والتصريحات القوية ضد الخميني من طرف الملك الحسن الثاني فإن الدولة اختارت الاعتراف بالأمر الواقع في إيران، أي نهاية حكم الشاه ومجيء نظام جديد. ففي يوم 15 فبراير 1979 أصدرت الحكومة بلاغا تعترف فيه بالأمر الواقع وتقر فيه بالوضع الجديد في إيران. وكان نص البلاغ القصير حذرا، إذ أورد: “لقد تتبع المغرب باهتمام تطور الوضع في إيران. وإن المغرب إخلاصا منه لمبادئ الأخلاق والقانون والتقاليد المتبعة في مجال العلاقات الدولية، فإنه يسجل ويعترف بالواقع الإيراني. وإن حكومة صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني إذ تقدر حق قدرها الصداقة العريقة التي تربط الشعب الإيراني بالشعب المغربي، تعرب عن أملها في ألا يقع ما من شأنه أن يعكر صفو هذه العلاقة”.
وجاء الموقف المغربي في سياق تداعي مجموعة من الدول الأوروبية والعربية والآسيوية إلى الاعتراف بالنظام الإيراني الجديد، مثل العراق واليمن الشمالي والإمارات العربية المتحدة وبولونيا وبلجيكا وفيتنام وتشيكوسلوفاكيا ومدغشقر والصين الشعبية واليابان وإسبانيا. ورويدا رويدا بدأ النظام السابق في إيران يدخل نطاق العزلة. ولم تكد تمضي شهران حتى عين الحسن الثاني سفيرا جديدا في طهران، وذلك في أبريل 1979.
لم يكن السفير الجديد الذي عينه الملك سوى المؤرخ الراحل الدكتور عبد الهادي التازي، الذي كان سفيرا للمغرب في بغداد. وفي لقاء لنا مع الراحل التازي في بيته قبل وفاته ببضع سنوات، روى لنا كيف أن الحسن الثاني طلب منه الانتقال من بغداد إلى النجف، عندما كان الخميني هنالك، ومقابلته قصد معرفة نواياه والاطلاع عن كثب على مواقفه تجاه النظام الإيراني والأنظمة العربية.
وكان التازي يتابع من بغداد وعن كثب تطورات المواقف السياسية في المحيط القريب من الخميني، وردود الفعل في العراق وإيران، ومن الطرائف التي رواها لنا رحمه الله ـ وما أكثر الطرائف التي كان يتفرد بها ـ أنه كان لديه سائق مغربي في السفارة المغربية بطهران، يدعى عمر، فكان كلما خرج إلى الشارع حصلت له أمور، مثل أن يسبه أحد الإيرانيين أو يصفعه أحدهم، فاشتكى ذلك إليه، فما كان منه إلا أن قال له: “ولماذا تقول لهم إن اسمك عمر؟ قل لهم علي”، وذلك لأن الإيرانيين الشيعة يعتبرون الخليفة عمر بن الخطاب مغتصبا للخلافة الموصى بها لعلي بن أبي طالب، لذلك فهو أحد أعداء الشيعة الروافض.
وأثار موقف المغرب القاضي بالاعتراف بالنظام الجديد في إيران مواقف متباينة في المشهد السياسي والإعلامي الداخلي، بسبب عدم التكافؤ بين ذلك الموقف وموقف الهجوم على الخميني واستقبال الشاه المخلوع وأسرته. وهذا ما علقت عليه أسبوعية “لاماليف” (لا) التي كانت تصدر بالفرنسية، وكانت أقوى الأسبوعيات السياسية في ذلك الحين، إذ تساءلت لماذا يتواجد الشاه بالمغرب منذ 19 يناير بينما الحكومة المغربية اعترفت بالأمر الواقع.
أما جريدة “العلم”، لسان حزب الاستقلال، فكتبت افتتاحية تحت عنوان “نظام جديد نتيجة ثورة إسلامية شعبية” بدأتها بالقول: “اعترف المغرب بالنظام الجديد في إيران، وهو قرار حكيم يتفق مع اتجاهه الواقعي الإسلامي التحرري، ويتفق كذلك مع العلاقات الطيبة التعاونية التي يجب أن تربطه مع إيران، البلاد التي خدمت الإسلام وكانت حصنا حصينا للثقافة والفكر الإسلامي في الشرق الأعجمي من البلاد الإسلامية، والبلاد التي أظهرت في ثورتها تجاوبها المطلق مع العرب والمسلمين، فقررت قطع البترول عن إسرائيل ووقف التعامل مع جنوب إفريقيا العنصرية، والبلاد التي تتجه اتجاها سلميا مع البلاد العربية في الخليج، بدلا من الاتجاه العدواني الذي ساد العلاقات الإيرانية العربية طيلة عهد الإمبراطور السابق”.
وكانت “العلم” الجريدة المغربية الوحيدة التي احتفت بالثورة الإيرانية أيما احتفاء، إذ بعثت رئيس تحريرها محمد العربي المساري إلى طهران، وهنالك كتب مجموعة من التقارير عن الثورة والأوضاع الجديدة في إيران، وقابل الخميني وأقطاب النظام الجديد.