أمير المؤمنين وآية الله .. الملك الحسن الثاني يستقبل شاه إيران المخلوع
صورة: مواقع التواصل الاجتماعي

هسبريس من الرباطالسبت 24 أبريل 2021 – 21:00

ما قصة العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ لماذا اتخذ الملك الراحل الحسن الثاني مواقف مناوئة للثورة الإيرانية منذ اللحظة الأولى لقيامها؟ ولماذا غير موقفه بعد ذلك؟ كيف تدخلت الجزائر على الخط في اللحظات الأولى وأرادت إفساد العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ كيف استقبلت النخبة المغربية الثورة الإيرانية بعد قيامها؟ وكيف كان أداء المغرب خلال الحرب العراقية ــ الإيرانية؟

هذه الأسئلة وغيرها نتابع الإجابة عليها خلال شهر رمضان مع كتاب الباحث الدكتور إدريس الكنبوري “أمير المؤمنين وآية الله.. قصة المواجهة بين الحسن الثاني والخميني”، الذي خص به جريدة هسبريس.

الحلقة العاشرة

يوم 16 يناير غادر الشاه إيران في اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية، بعد محاولات حثيثة لتصفية الأجواء وكسب ود الشارع، وبعد العديد من الإجراءات السياسية التي اتخذها من أجل نيل رضا الغاضبين، لكن الثورة كانت قد تبلورت بشكل تام وصار لها مشروع، فلم يعد للشاه مكان لاحتضانه في إيران.

كانت بريطانيا في البداية هي البلد الأول الذي فكر الشاه في التوجه إليه، حيث كان له بيت فخم هنالك غرب العاصمة لندن، لكن الحكومة البريطانية رفضت استقباله، خوفا من أن يؤثر ذلك على علاقتها بالنظام الجديد في إيران، حسب وثائق بريطانية تم رفع السرية عنها عام 2009، بعدها قرر الشاه التوجه إلى مصر، نظرا للعلاقات القوية التي كانت تربطه بالرئيس المصري محمد أنور السادات، فالاثنان معا حليفان قويان لإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. غير أن إقامة الشاه وأسرته بمصر لم تدم سوى ستة أيام، إذ خشي السادات على نفسه وعلى استقرار الأوضاع في مصر، خصوصا أن الظرفية لم تكن مناسبة بسبب تداعيات اتفاقيات السلام مع إسرائيل الموقعة في كامب ديفيد قبل ذلك بأقل من عام، والتي لم يرض بها الشارع المصري.

لقد تنكر الجميع للشاه، خاصة البلدان الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت المستفيد الأول من سياساته الإقليمية، ومن ثروات إيران النفطية. لقد كان الشاه ينظر إلى تلك البلدان، وهو في الحكم، على أنها حليفة له، وكان يهتم بالجانب المتعلق بالتحالف السياسي والعسكري معها، لكنه لم يكن ينظر إلى الجانب المتعلق بالديمقراطية، التي تمنع تلك الدول من الترحيب بالمستبدين من العالم الثالث خوفا من المعارضة والرأي العام.

وفي 22 يناير استقل الشاه وأسرته الطائرة في اتجاه مطار مراكش، بدعوة من الملك الحسن الثاني، الذي كان بانتظارهم رفقة زوجته وبعض أفراد العائلة الملكية، ووضع الملك رهن إشارتهم قصرا خاصا بهم في الرباط. غير أن الأوضاع لم تكن على ما يرام، لأن وجود الشاه بالمغرب كان يشكل خطورة على البلاد. وحسب مذكرات فرح بهلوي، الزوجة الثالثة للشاه، فإن ألكسندر دومارنش، قائد القوات الخاصة الفرنسية، أبلغ الشاه في مراكش بأن وجوده يمثل خطورة على المغرب، وبأن الخميني أعطى أوامر إلى بعض أتباعه المتعصبين لاختطاف بعض أفراد العائلة الملكية المغربية قصد مبادلتهم بالشاه.

أراد الحسن الثاني أن يمسك العصا من الوسط، لذلك أكد في تصريحات للتلفزة الأمريكية الخاصة (آي بي سي) أن علاقات المغرب مع إيران وليس مع الشاه، رغم استقباله بالمغرب، وأن هذا “لا يمنع من أن يقيم المغرب علاقة سياسية مع إيران”. ومع ذلك لم يتوان في توجيه النقد، الحاد أحيانا، إلى الشاه، ولومه على الطريقة التي كان يدير بها البلاد، والاختيار العلماني الصريح الذي كان ينتهجه. ففي لقاء مع وفد يمثل الصحافة الفرنسية في ماي 1979 قال الحسن الثاني إن “الملكية الإيرانية هي الملكية الوحيدة التي أرادت أن تكون لائكية”. وفي مقابلة مع “لوفيغارو ماكازين” في يناير 1980 قال إن “الخطأ الفادح للشاه هو رغبته في أن يكون أول إمبراطور علماني على رأس دولة كانت تعرف الشيعة الجعفرية قبل دخول آية الله الخميني من نوفل دوشاطو ليحكم البلاد، غير أن الشاه أراد أن يحكم بالسيف بدون الماء المقدس”.

كان الحسن الثاني يشير، من خلف السطور، إلى النزعة الفارسية القومية الضيقة التي كانت تطبع سياسة الشاه، وبوجه خاص إلى الاحتفال التاريخي الضخم الذي أقامه عام 1971 بمناسبة مرور 2500 سنة على نشأة مملكة فارس، في مدينة بيرسوبوليس التاريخية العريقة، على مدى أيام من شهر أكتوبر من ذلك العام، احتفال وصف بأنه أغلى حفل في التاريخ، وبأنه كان بمثابة العشاء الأخير للشاه، إحالة على “العشاء الأخير” الشهير في المسيحية، الذي كان آخر مأدبة للمسيح قبل الصلب. وقد قيل إن ذلك الحفل تم التحضير له على مدى عام كامل، ونظرا لأن إيران لم تكن بها بنيات تحتية أو فنادق لاستيعاب المئات من الضيوف رفيعي المستوى الذين وجهت إليهم الدعوة، فقد تم التخطيط لإقامة خيام في الصحراء بمثابة فنادق. وبسبب وجود الحيات والعقارب في الموقع، فقد تم رش المبيدات على مسافة ثلاثين كيلومترا حتى يصبح المكان آمنا للضيوف. وقد أقيمت حديقة معطرة في المكان تم جلب الورود إليها من الخارج، وتم غرس المئات من الأشجار، وحفر عشرات الآبار في الأرض بحثا عن المياه لسقي تلك النباتات. وكانت الاحتفالات من الضخامة والبذخ حتى قيل إن الكلاب كانت تدخل المكان وعلى رؤوسها تيجان من الذهب. وقد كانت تلك الاحتفالات هي القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ أظهرت كم أن الملك غني وكم أن الإيرانيين فقراء.

آية الله الخميني الحسن الثاني اللجوء شاه إيران

hespress.com