أمير المؤمنين وآية الله .. رشوة جزائرية لتسميم علاقة المغرب بإيران
صورة: أ.ف.ب

هسبريس من الرباطالخميس 29 أبريل 2021 – 21:00

ما قصة العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ لماذا اتخذ الملك الراحل الحسن الثاني مواقف مناوئة للثورة الإيرانية منذ اللحظة الأولى لقيامها؟ ولماذا غير موقفه بعد ذلك؟ كيف تدخلت الجزائر على الخط في اللحظات الأولى وأرادت إفساد العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ كيف استقبلت النخبة المغربية الثورة الإيرانية بعد قيامها؟ وكيف كان أداء المغرب خلال الحرب العراقية ــ الإيرانية؟

هذه الأسئلة وغيرها نتابع الإجابة عليها خلال شهر رمضان مع كتاب الباحث الدكتور إدريس الكنبوري “أمير المؤمنين وآية الله.. قصة المواجهة بين الحسن الثاني والخميني”، الذي خص به جريدة هسبريس.

الحلقة الخامسة عشرة

غير أن الاعتراف المغربي بالواقع الجديد في إيران، وبالنظام الإيراني الجديد، لم يرق للجارة الجزائر التي كانت تريد أن يستمر الموقف المغربي من الخميني والثورة الإسلامية الإيرانية، بحيث تسوء العلاقات بين الجانبين، وبحيث تستفيد من عائدات تلك العلاقات السيئة بين البلدين.

وقد روى لنا الدكتور عبد الهادي التازي، أول سفير مغربي في طهران، أن الجزائر حركت بعض العلاقات التي لديها في فرنسا مع بعض وسائل الإعلام، ونزلت بكل ثقلها المالي والسياسي، لكي تعيد القناة الفرنسية الثانية بث المقابلة التي أجريت مع الملك الحسن الثاني، رغم أنه مضى عليها ما يزيد عن عام، وذلك بهدف إحياء التوتر بين المغرب وإيران؛ وهي المقابلة التي قلل فيها من شخصية الخميني وقدرته على تدبير شؤون الدولة في إيران، واتهمه بأنه ضحية “الشياطين الذين يحفون به ويدفعونه من الخلف”، وقال إن الخميني “ليس بالرجل الذي يقرر من تلقاء نفسه”، وإن من يقفون وراءه ويحركونه هم مجموعة من “المشعوذين البهلوانيين”، وكاد ذلك يؤدي إلى أزمة دبلوماسية جديدة بين المغرب وإيران، بعد أن تم الاعتراف بالثورة وطويت صفحة ما سبق من تصريحات ومواقف حادة.

أرادت الجزائر عزل المغرب في المنطقة من خلال الملف الإيراني، خصوصا أن العقيد الليبي معمر القذافي كان أيضا من السباقين إلى الاعتراف بالثورة وتأييدها، لذا سارع القادة الجزائريون إلى الترحيب بثورة الخميني، للحصول من النظام الإيراني الجديد على الدعم لجبهة البوليساريو التي كانت قد أنشئت قبل تلك الفترة بمدة قصيرة، والاعتراف بمسمى “الجمهورية الصحراوية” التي أعلنت عام 1976،، بيد أن هذا الاعتراف لم يحصل وفشلت المقايضة الجزائرية مع الخميني.

تعود العلاقات بين إيران والجزائر إلى بداية السبعينيات من القرن العشرين، حين رعت الجزائر الاتفاق الشهير بين إيران والعراق حول شط العرب والخلاف الحدودي بين البلدين عام 1975، وهو الاتفاق الذي يعرف بـ”اتفاق الجزائر”؛ وقد ظلت العلاقات بينها وبين نظام الشاه قوية، بسبب أن الأخير كان يدين بالعرفان للنظام الجزائري على نزع فتيل التوتر مع العراق والحيلولة دون حدوث حرب في المنطقة بسبب النزاع الحدودي.

بيد أنه ما إن اندلعت شرارة الأحداث في إيران وظهرت صورة الخميني حتى ارتمت الجزائر على أول فرصة لتقوية العلاقات مع حكام طهران الجدد. وكان الخميني، عندما تم طرده من العراق من قبل نظام صدام حسين، يريد الانتقال إلى الجزائر للاستقرار فيها، بعد أن اعتذرت الكويت عن استقباله. وأرسل الخميني رسالة إلى النظام الجزائري يقول فيها إنه معجب بالثورة الجزائرية التي يعتبرها ثورة إسلامية، ويريد الإقامة في الجزائر. غير أن النظام الجزائري لجأ إلى البحث عن مبرر للاعتذار عن قبول طلب الخميني، خوفا من أن يؤدي منحه اللجوء السياسي إلى حصول خلاف مع الولايات المتحدة الأمريكية، فتم التعلل بكون الرئيس الهواري بومدين يوجد في حالة صحية حرجة والبلاد في وضع سياسي غامض ولا يوجد مسؤول في الدولة يمكن أن يرد على هذا الطلب بشكل صريح، لوجود بومدين في الاتحاد السوفياتي قصد العلاج.

وما إن حصلت أزمة الرهائن الأمريكيين، عندما حاصر الطلاب والمواطنون الإيرانيون السفارة الأمريكية في طهران، حيث كان يتواجد أزيد من أربعمائة مواطن أمريكي، بين طاقم السفارة والأمريكيين الذين كانوا يعيشون في إيران، حتى بدأت الجزائر تتحرك دبلوماسيا للوساطة بين الجانبين. في تلك الفترة كانت الحرب العراقية ـ الإيرانية قد اندلعت شرارتها، إذ بدأت في سبتمبر من عام 1980، فوجدتها طهران فرصة لمطالبة الولايات المتحدة الأمريكية بأسلحة بقيمة مليار دولار كشرط لإطلاق سراح الرهائن الأمريكيين في السفارة، وكان من نقل تلك الرسالة إلى الإدارة الأمريكية هي الجزائر.

ونشطت الدبلوماسية الجزائرية بشكل مكثف لحل معضلة الرهائن، وكسب ود كلا الطرفين، واشنطن وطهران، رغم أن ذلك كان على حساب نظام عربي هو النظام العراقي، لأن جزءا من حل مشكلة الرهائن كان عبارة عن صفقة الأسلحة لإيران لضرب العراق. وفي هذا الإطار رعت الجزائر لقاء سريا بين إبراهيم يزيد، الذي شغل منصب وزير الخارجية لاحقا في حكومة مهدي بازركان المؤقتة عام 1979 وكان مقربا من الخميني، وزبيغنيوبريجنسكي، مستشار الرئيس الأمريكي جيمي كارتر للأمن القومي؛ كما أنها توسطت في نقل جثامين الأمريكيين الذين قتلوا في حادث اقتحام السفارة من طهران إلى الولايات المتحدة، وسمحت للكاردينال الوحيد في الجزائر آنذاك، مارسيل دوفان، بالذهاب إلى طهران وقضاء أعياد رأس السنة الميلادية، الكريسمس، مع الرهائن الأمريكيين للتخفيف عنهم روحيا.

آية الله الخميني الثورة الإيرانية الملك الحسن الثاني النظام الجزائري

hespress.com