ما قصة العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ لماذا اتخذ الملك الراحل الحسن الثاني مواقف مناوئة للثورة الإيرانية منذ اللحظة الأولى لقيامها؟ ولماذا غير موقفه بعد ذلك؟ كيف تدخلت الجزائر على الخط في اللحظات الأولى وأرادت إفساد العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ كيف استقبلت النخبة المغربية الثورة الإيرانية بعد قيامها؟ وكيف كان أداء المغرب خلال الحرب العراقية ــ الإيرانية؟

هذه الأسئلة وغيرها نتابع الإجابة عليها خلال شهر رمضان مع كتاب الباحث الدكتور إدريس الكنبوري “أمير المؤمنين وآية الله.. قصة المواجهة بين الحسن الثاني والخميني”، الذي خص به جريدة هسبريس.

الحلقة الثانية والعشرون

في الوقت الذي كانت فيه الثورة الإيرانية في أوجها، وفي الوقت الذي غادر الشاه إيران إلى غير رجعة ودخلها الخميني ليموت بها، أصدر الشيخ عبد السلام ياسين مجلة “الجماعة” ـ التي كانت لسان جماعة العدل والإحسان ولم يصدر منها سوى خمسة عشر عددا قبل أن ينزل الحظر ـ في فبراير 1979، تزامنا مع نهاية القرن الرابع عشر الهجري، أي عام 1399.

ومنذ العدد الأول الافتتاحي، ثمن الشيخ ياسين الثورة الإيرانية وأشاد بثورة الجوعى والمظلومين، ووضع سقفا لجماعته وهو توحيد الصف الإسلامي، بما يتجاوز الإسلاميين السنة إلى الشيعة. وعلى الرغم من قلة المنتسبين إلى خط التشيع في تلك الفترة بالمغرب، فإن نجاح الثورة الإيرانية كان ينبئ بغد مختلف للتشيع في المملكة، تماما كما حصل في أعقاب انتصار حزب الله على إسرائيل في حرب 2006؛ فقد قالت المجلة: “هدفنا بالنشر ودخول المسجد أن نخبر الشعب بأسباب مآسيه يقظين لما يراد من تفريق شملنا بتحريض بعض الإسلاميين على بعض”.

في العدد الخامس من المجلة، كتب الشيخ ياسين افتتاحية تحت عنوان “فقه التجديد”، والمثير هو أنه لم يتوجه إلى القراء في بداية الكلام، على ما هو معهود في افتتاحيات المجلات، بل إلى “إخوتي الإسلاميين”. وقد بدا ياسين متأثرا بالثورة الإيرانية غاية التأثر، فكريا وعاطفيا، شأنه شأن جزء غير يسير من زعماء الحركات الإسلامية في العالم آنذاك. بالنسبة إليه خرجت إيران من فلك البلدان الإسلامية التي يحكمها الاستبداد، وتحررت من قبضة “الطاغوت” الذي أثقل صدرها أعدادا من السنين. قال ياسين: “الطبقة السياسية الحاكمة في بلاد الإسلام، حاشا إيران المتجددة، طبقة عينت نفسها وصية على المسلمين، وتحكمت بمقاليد أمورهم، تسيطر بغير رضاهم وتحكمهم بحكم الطاغوت”.

لقد بدا واضحا أن التجديد الذي ينادي به، من خلال تلك الافتتاحية الطويلة التي ملأت أربع عشرة صفحة، هو التجديد السياسي لا التجديد الديني، أو قل: التجديد الديني من مدخل سياسي، التجديد القائم على إخراج الفرد من فرديته وحشره في الموقف الجماعي الذي له الحركة عنوان.

كتب ياسين: “في إيران حاكم المسلمون بقيادة الإمام الخميني واقع الإجرام التاريخي الفريد الذي أيدته أمريكا بمساندة الطاغوت المخلوع إلى حكم الله وقانونه. أمريكا والاستعمار الغربي والشرقي تواضعوا على نظام الحصانة الدبلوماسية، وهو مبدأ إنساني يتفق ومبادئ الإسلام؛ لكن القانون العام الذي بمقتضاه يتحكم الاستعمار الجاهلي فينا ويستنزف خيراتنا وقوانا قانون جائر، وما الحصانة الدبلوماسية إلا فصل صغير منه، ذلك إن لم تتحول السفارات، كما هو حال سفارة أمريكا في إيران، عشا للمخابرات وتدبير الشر وتدعيم الظلم”.

وقد أطلق الشيخ ياسين على ما حصل في إيران ذلك المصطلح الذي سيصحبه في جميع كتاباته اللاحقة، وهو “مصطلح “القومة”، حيث قال: “في إيران قومة إسلامية تعاني من تحركات غير منضبطة، من دواعيها الألم الممض الناتج عن أعمال الشاه الدموية، وعن سرقاته وعتو أسرته، ومن دواعيها القومية الرابضة التي يوقظها لمصالحهم عملاء الشرق والغرب”؛ ولكن ياسين لم يكن منساقا مع كل من يرفع شعارا. لذلك، علق على اقتحام الحرم المكي معتبرا إياه جريمة، فقال: “أما في السعودية فهي ثورة عنيفة ركب الغضب الأرعن فيها قلوبا ممرغة وعقولا فجة”.

مثل هذه المواقف من الثورة الإيرانية، والدعوة إلى توحيد صف الإسلاميين، والتجديد السياسي الذي يعني أن يحكم الإسلام، كان من الطبيعي أن تثير القلق على مستوى الدولة التي كانت تتحسس لكل ما يمت بصلة إلى الخطاب الإسلامي.

لقد كانت الدولة تراقب عن كثب مواقف رابطة علماء المغرب من الثورة، ومواقف جماعة الشيخ ياسين، والفصائل التي خرجت من معطف حركة الشبيبة الإسلامية لعبد الكريم مطيع، بعد أن تفرقت شذر مذر. وبهذه الاعتبارات كلها، وأخذا بعين الاعتبار كل هذه المعطيات، وبعد محاولتين انقلابيتين عسكريتين فاشلتين في بداية عقد السبعينيات دفعت الدولة إلى إجراء تغييرات سياسية وعسكرية، سوف يطلق الحسن الثاني إستراتيجية واسعة لإعادة هيكلة الحقل الديني بما يتيح للدولة بسط يدها أكثر على الخطاب الإسلامي، ويخلق مؤسسات دينية موازية للدولة لسحب البساط من تحت أقدام رابطة علماء المغرب، وتجريد الإسلاميين من احتكار الخطاب الاحتجاجي.

hespress.com