الثلاثاء 27 أبريل 2021 – 21:00
ما قصة العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ لماذا اتخذ الملك الراحل الحسن الثاني مواقف مناوئة للثورة الإيرانية منذ اللحظة الأولى لقيامها؟ ولماذا غير موقفه بعد ذلك؟ كيف تدخلت الجزائر على الخط في اللحظات الأولى وأرادت إفساد العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ كيف استقبلت النخبة المغربية الثورة الإيرانية بعد قيامها؟ وكيف كان أداء المغرب خلال الحرب العراقية ــ الإيرانية؟
هذه الأسئلة وغيرها نتابع الإجابة عليها خلال شهر رمضان مع كتاب الباحث الدكتور إدريس الكنبوري “أمير المؤمنين وآية الله.. قصة المواجهة بين الحسن الثاني والخميني”، الذي خص به جريدة هسبريس.
الحلقة الثالثة عشرة
في ما يتعلق بالخميني، كانت مواقف الملك الحسن الثاني حادة منذ البداية. وكان ذلك أمرا طبيعيا يمكن تفسيره، فالثورة الإيرانية كما قلنا قضت على المحور السني وهمشت الدور العربي، وأصبحت تشكل خطرا على الوضع في الشرق الأوسط لأنها يمكن أن تحيي تاريخا من الصراع السني ـ الشيعي، في عصر جديد له أدوات جديدة للحرب والدعاية؛ كما أنها من جهة ثانية وضعت رمزية إمارة المؤمنين في المغرب أمام تحد حقيقي، وهو تحدي تمثيل الإسلام السني.
لهذا السبب اختار الحسن الثاني المواجهة مع الثورة الإيرانية منذ البداية؛ صحيح أنه كان يبدي نوعا من التفهم والمحاباة للنظام الإيراني الجديد، وينتقد شاه إيران انتقادات حادة، لكن موقفه من الخميني ظل مستقرا بسبب مرجعيته الدينية، ودوره في إرجاع دور الفقهاء السياسي في تاريخ الإسلام.
ففي حواره مع جريدة “لوفيغارو” الفرنسية، وردا على سؤال حول احتمال تزايد الهوة بين الإسلام الثوري والإسلام المحافظ، قال الملك الراحل: “لا أدري أين هو الإسلام الثوري، فهو ليس لدى الشيعة على أي حال، فالشيعيون بالعكس من ذلك رجعيون، لأن الدين عندهم الذي يزعمون أنه يحكم الدولة لا يقبل الندم ولا النقاش”.
وفي مقابلة مع مجلة “تايم” الأمريكية، انتقد الحسن الثاني تسمية “روح الله” التي يتسمى بها الخميني، وقال إن المسيح وحده هو روح الله وليس محمدا أو موسى، وزاد: “إن إعلانه أنه هو نفسه روح الله يعد أمرا سخيفا ومثيرا للسخرية”. ويبدو أن الكثيرين حتى ذلك الوقت، بمن فيهم الملك، كانوا يفهمون أن عبارة “روح الله” مجرد لقب ديني للخميني، بينما كان ذاك اسمه الحقيقي، فهو روح الله الموسوي، والخميني نسبة إلى بلدة خُمين التي ولد بها في إيران.
وفي مقابلة مع القناة الفرنسية الثانية أبريل 1980 توقف الحسن الثاني عند الأزمة التي قامت بين الخميني وأبي الحسن بني صدر، الذي انتخب رئيسا لإيران في يناير عام 1980 في انتخابات حرة، ثم أقاله الخميني الذي كان القائد الأعلى للنظام، مع صلاحيات واسعة بينها إقالة الرئيس المنتخب، إذ قال: “إن من أثاروا القضية الإيرانية هم في نظري أعظم المشعوذين البهلوانيين الذين عرفهم العالم، لأننا جميعا نعلم أن الخميني رجل مسن، وعندما يتحدث لا ندري هل هو الذي يتحدث أم لا، وعندما كان يستقبل زواره في العراق وفي فرنسا كان يستقبلهم من وراء ستار. وهكذا بدؤوا يروجون للخميني ولا يتحدثون إلا عنه، ولا يرون إلا هذا الرجل ذي اللحية البيضاء، دون الاهتمام بالشياطين الذين يحفونه ويدفعونه من الخلف. ومما يؤكد أن الخميني ليس بالرجل الذي يقرر من تلقاء نفسه أنه ما فتئ يتناقض مع نفسه، فقد كان يريد إقامة جمهورية إسلامية، لتسير الأمور على ما يرام، وليسود النظام، فتم له ذلك، وقام بحملة دعائية لصالح بني صدر، وصعد بني صدر مرفوع الرأس، والآن عدل عن رأيه في بني صدر وفي نظامه. ليس هذا هو الخميني، فهو لا يمكنه أن يكون مخربا لهذه الدرجة؛ إن هناك زمرة تحركه وتقوم الآن بإعطاء الدليل على حقارة النظام الجديد والتناقضات القائمة داخله، وهذا ما دفعني إلى القول إن أكبر المشعوذين البهلوانيين في العالم يقفون وراءه ويحركونه”.
وقد ذهب الحسن الثاني أبعد من ذلك حين قال إنه سوف يعلن إلحاده إذا كان الخميني يجسد الإسلام، ففي مقابلة مع جريدة فرنسية، وردا على سؤال: “في ما يتعلق بإيران سبق لكم أن قلتم يوما إنه إذا ما قيل لكم إن الإمام الخميني يجسد الدين الإسلامي فإنكم ستعلنون إلحادكم”، قال: “هذا صحيح، ومازلت متمسكا بما قلته، فإيران حاليا تقول بوجوب خضوع الدولة لا إلى القوانين الوطنية، وإنما إلى قوانين الشيعة الجعفرية التي تفترض وجود إمام يعلو على كل سلطة دينية، ومن هذا المنطلق خرقت بالطبع عدة قواعد من قواعد الإسلام السني، ومنها على سبيل المثال قاعدة الشورى”، ثم زاد: “ولا ينبغي أن ننسى أن للإسلام قوانينه لتسيير الشؤون العامة. يمكن أن تسجلوا أن آية الله لم يبتدع شيئا، فالشيعة الجعفرية موجودة منذ قرون، وأنا أقول إن الخميني لم يقم سوى باسترجاع شفرة حادة لكنها صدئة يأتي معها بالتأكيد شكل من أشكال التعفن والتسمم”.