أمير المؤمنين وآية الله .. عندما استضاف الملك الحسن الثاني الشاه الإيراني
صورة: أرشيف

هسبريس من الرباطالإثنين 19 أبريل 2021 – 21:00

ما قصة العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ لماذا اتخذ الملك الراحل الحسن الثاني مواقف مناوئة للثورة الإيرانية منذ اللحظة الأولى لقيامها؟ ولماذا غير موقفه بعد ذلك؟ كيف تدخلت الجزائر على الخط في اللحظات الأولى وأرادت إفساد العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ كيف استقبلت النخبة المغربية الثورة الإيرانية بعد قيامها؟ وكيف كان أداء المغرب خلال الحرب العراقية ــ الإيرانية؟

هذه الأسئلة وغيرها نتابع الإجابة عليها خلال شهر رمضان مع كتاب الباحث الدكتور إدريس الكنبوري “أمير المؤمنين وآية الله.. قصة المواجهة بين الحسن الثاني والخميني”، الذي خص به جريدة هسبريس.

الحلقة الخامسة

في حقبة ما بعد الاستقلال، وتولي الملك الحسن الثاني الحكم بعد ذلك بأقل من خمس سنوات، سعى الملك الجديد إلى تعزيز الحضور الدولي للمغرب، من خلال زيارة عدد من البلدان العربية وغير العربية، واستقبال زيارات زعماء عرب ومسلمين وأجانب، في سياق سياسي عربي وإسلامي متوتر، يطبعه التقاطب الحاد بين القومية العربية، التي تتزعمها مصر بقيادة جمال عبد الناصر، والتيار الإسلامي المحافظ الذي تتزعمه المملكة العربية السعودية.

في شهر يونيو من عام 1966 سوف يقوم شاه إيران، محمد رضا بهلوي، بزيارة للمغرب اعتُبرت “تاريخية”، لأنها جددت اللقاء بين أمتين عريقتين في التاريخ، هما الأمة المغربية والأمة الفارسية، إحداها في أقصى المغرب والثانية في أقصى المشرق. استقبل الملك الحسن الثاني ضيفه الجديد، الذي كان يزور المغرب لأول مرة، بمطار الدار البيضاء، ومن هناك توقف الموكب في المحمدية لزيارة معمل تكرير البترول، الذي كان مفخرة المغرب آنذاك، وكان الغرض وقوف شاه إيران على ما تحقق في المغرب من إنجازات، وأخذ نظرة عن واقع المغرب قبل توقيع حزمة الاتفاقيات التي سوف يبرمها البلدان خلال تلك الزيارة.

وتعد إيران من أوائل الدول الإسلامية التي تم فيها اكتشاف البترول، إذ اكتشف في بدايات القرن العشرين من قبل بريطانيا، قبل الاحتلال البريطاني المباشر في الأربعينيات، مما جعل إيران دولة قوية في المنطقة، تقف على ثروة اقتصادية هائلة. وفي عام 1951 مع انتخاب محمد مصدق رئيسا للحكومة، أعلن عن تأميم النفط، وقال قولته الشهيرة ردا على انسحاب الشركات البريطانية المنقبة عن البترول “إذا لم نستطع استخراجه نحن بأيدينا فليبق في باطن الأرض”، مما أثار أزمة ديبلوماسية كبرى بين إيران وكل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، اللتين اتفقتا على الإطاحة بحكومة مصدق بعد عامين، في 19 غشت 1953، بعد استفتاء مزور كانت نتيجته حل البرلمان، واعتقال مصدق، حيث قضى ثلاثة أعوام في السجن، ثم فرضت عليه الإقامة الإجبارية في بيته إلى أن وافته المنية عام 1967. ومن الأعمال السردية العربية القليلة التي تناولت تلك المرحلة رواية “سباق المسافات الطويلة” لعبد الرحمان منيف، التي اعتمد فيها الوثائق السرية البريطانية التي نشرت لاحقا.

قضى شاه إيران في المغرب أربعة أيام، زار خلالها مراكش وبني ملال وإفران، وفي الرباط زار الأعمال التي كانت جارية لبناء ضريح محمد الخامس، ونظم الملك الحسن الثاني حفلة استقبال على شرف ضيفه الكبير والوفد المرافق له. وخلال ذلك الحفل ألقى شاه إيران خطابا قال فيه إنه يزور المغرب وكأنه يزور عائلته وأسرته “تلك الأسرة الإسلامية الكبيرة التي ننتمي إليها جميعا”. وألقى الشاه الضوء على جوانب من العلاقات التاريخية بين البلدين، ومنها انتقال الطلبة من الجانبين رغم بعد المسافة الجغرافية، كما نوه بالرحالة المغربي ابن بطوطة “الذي يرجع إليه الفضل في إعداد أجمل الصفحات التي كتبت حتى الآن عن بلادنا”. وأشاد شاه إيران بالإنجازات التي حققها المغرب منذ الاستقلال في ظرف وجيز، على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، مما يضمن تعاونا ثنائيا مثمرا بين البلدين في المستقبل.

وفي خطابه وصف الحسن الثاني شاه إيران بالإمبراطور، ووصف إيران بالإمبراطورية، وهو اللقب الذي كان عزيزا على الشاه وعائلته، حيث كانت زوجته أيضا تدعى الإمبراطورة فرح بهلوي. وجدد التأكيد على إنضاج سبل التعاون المثمر بين البلدين في شتى المجالات، منوها بأهمية الصداقة المغربية ـ الإيرانية، التي قال إنها “لا مراء في عظيم نفعها وعزيز فائدتها لشعوبنا قاطبة، وبليغ تأثيرها في بعض حضارتنا المشتركة ونشر ثقافتنا الإسلامية الأصيلة، وبذلك يتسنى لنا أن نكتب من جديد صفحات غراء يزدهر بها تاريخنا وتفخر بها الإنسانية جمعاء”.

ورغم الاختلاف المذهبي بين المغرب المالكي وإيران الشيعية الصفوية، كان الملك حريصا على التقارب الديني مع إيران، وتشكيل محور إسلامي تكون إيران جزءا منه. فقد قال في الخطاب نفسه: “إن الإسلام الحنيف الذي انبثق من جزيرة العرب وأينع غرسه في مشارق الأرض ومغاربها، وترعرعت الحضارة في ظله الوارف، دين يعتبر المؤمنين إخوانا ويدعو إلى التعارف والتعاطف بين شعوب الأرض كافة. ومن آكد الواجبات الملقاة على عاتق أولي الأمر من المسلمين، وإن بعدت بهم الديار وشق بهم المزار، أن يوجهوا كبير اهتمامهم إلى شؤون إخوانهم في العقيدة ويعملوا على إصلاح أحوالهم ورعاية مصالحهم”.

إيران الحسن الثاني الزيارة محمد رضا بهلوي

hespress.com