الجمعة 30 أبريل 2021 – 23:00
ما قصة العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ لماذا اتخذ الملك الراحل الحسن الثاني مواقف مناوئة للثورة الإيرانية منذ اللحظة الأولى لقيامها؟ ولماذا غير موقفه بعد ذلك؟ كيف تدخلت الجزائر على الخط في اللحظات الأولى وأرادت إفساد العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ كيف استقبلت النخبة المغربية الثورة الإيرانية بعد قيامها؟ وكيف كان أداء المغرب خلال الحرب العراقية ــ الإيرانية؟
هذه الأسئلة وغيرها نتابع الإجابة عليها خلال شهر رمضان مع كتاب الباحث الدكتور إدريس الكنبوري “أمير المؤمنين وآية الله.. قصة المواجهة بين الحسن الثاني والخميني”، الذي خص به جريدة هسبريس.
الحلقة السادسة عشرة
بينما كانت الأحداث في إيران مشتعلة بسبب حالة الهيجان الداخلي والصراع بين أجنحة الحكم، اشتعلت في الخليج معركة أخرى بسبب حادث اقتحام الحرم المكي، الذي وقع يوم 20 نوفمبر 1979، وقام به السعودي جهيمان العتيبي وأتباعه، ممن ينتمون إلى ما سميت “الجماعة السلفية المحتسبة”.
حول ذلك الحادث أنظار العالم كله من إيران إلى مكة المكرمة، قلب العالم الإسلامي، لأنه لم يكن متوقعا، لا من حيث طبيعته ولا من حيث حجمه، خصوصا أنه حصل مطلع العام الهجري الجديد، ما رأى فيه البعض علامة من علامات الساعة، أو واحدة من علامات ظهور المهدي المنتظر. وفضلا عن هذا، أظهر ذلك الحادث المفاجئ الذي صدم المسلمين أن مشكلاتهم ليست مرتبطة بالصراع بين السنة والشيعة، الذي كشفت عنه الثورة الإيرانية، بل مرتبطة أيضا بالصراع داخل النطاق السني نفسه.
وبالطبع كان لا بد أن تنتقل أصداء ذلك الحادث إلى المغرب، الحليف القوي للمملكة العربية السعودية. والحقيقة أن الحسن الثاني كان قد استشرف وقوع مثل تلك الواقعة قبل أزيد من أسبوع، ربما بسبب الأحداث العنيفة المتتالية في أفغانستان وإيران؛ ففي مقابلة مع جريدة “نيويورك تايمز” الأمريكية قبل عشرة أيام من حادث اقتحام الحرم المكي، عبر الملك الراحل عن قلقه من الأحداث في إيران وتخوفه من أن تؤدي إلى كارثة عالمية من جهتين، “فمن جهة حرمان الغرب من البترول، ومن جهة ثانية تعرض الديار المقدسة في المملكة العربية السعودية للخطر، ما قد يؤدي إلى نشوب حرب مقدسة من طرف مسلمي العالم”.
كما قال الحسن الثاني: “إن عدم استقرار الوضع في إيران سيصيب مباشرة الخليج والمملكة العربية السعودية. ولقد ألزم القرآن الكريم المسلمين بإشهار الحرب لحماية الأماكن المقدسة. وهذه الحرب المقدسة لن تكون سوى شعلة من الكراهية الدينية التي ستعم أرجاء العالم إلى ماليزيا والفيليبين”، وأضاف أن مشاركة المغرب في هذه الحرب المقدسة لن تقتصر على 350 ألف شخص، بل ستشمل 18 مليونا من المواطنين المغاربة، وزاد أنه سيقف إلى جانب المسلمين في هذه الحروب ولو جاوزت الثمانين عاما.
وبعد حادث الاقتحام وجه الملك الحسن الثاني رسالة إلى ملك السعودية خالد بن عبد العزيز يوم 21 نوفمبر 1979، جاء فيها: “وافتنا الأنباء بما جرى أمس بالمسجد الحرام من أحداث شنيعة منكرة باء المتسببون فيها بالعار والشنار والخزي الكبير. وإن مما يضاعف من شناعة ما ارتكب من جرائم واقترف من آثام أن الذين تولوا كبرها اختاروا أن يكون المسجد الحرام، وهو أعظم البقاع الإسلامية المقدسة، مكانا لوقوعها وساحة لمحاولة سفك دماء الأبرياء ظلما وعدوانا في غرة هذا الشهر الحرام”.
ووجهت رابطة علماء المغرب رسالة إلى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، وصفت فيها مقتحمي الحرم بالمكي بالزنادقة والملحدين، وجاء فيها: “فقد تلقينا بمزيد من التأثر والاستنكار ما تناقلته الأنباء من هجوم عصابة من الزنادقة والملحدين فجر يوم الثلاثاء فاتح محرم 1400 على بيت الله الحرام بمكة المكرمة، ومحاصرة المؤمنين المصلين فيه وهم يمثلون مختلف بلاد الإسلام، والاحتفاظ بهم كرهائن على ما لا علم به ولا مبرر له. وإن رابطة علماء المغرب لتعتبر هذا العدوان موجها لجميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وانتهاكا لحرمة بيت الله الحرام والكعبة المشرفة ومكة المكرمة، البلدة التي حرمها الله وجعل مسجدها مثابة للناس وأمنا، وتندد بعمل هذه العصابة المجرمة، وتطالب بمحاكمتها لمعرفة دوافعها إلى هذه الجناية الشنيعة، وإنزال أشد العقوبات بها، انتقاما لعباد الله المؤمنين وغيرة على المسجد الحرام”.
وقد علق رئيس رابطة علماء المغرب العلامة عبد الله كنون على الحادث، إذ كتب: “نعود إلى الكتابة عن هذا الحادث الشنيع وقد أعدم المجرمون وطوي الملف دون أن نعرف حقيقة الدافع لهؤلاء الأشقياء على ارتكاب ما ارتكبوه” !!. ثم قال: “إن الذي يحاول أن يقوم بعمل انقلاب لا يعمد إلى بيت الله الحرام ويريق فيه دماء الأبرياء، ويتعرض لغضب المسلمين كافة وسخطهم، ولو تذرع بالمهدي المنتظر، فليس بين المسلمين اليوم والحمد لله من يعول في انبعاث الإسلام على قيام المهدي، حتى الشيعة الإمامية الذين كانوا ينتظرون رجوع الإمام المختفي أعرضوا عن ذلك وثاروا بقيادة زعيم ديني يعيش بينهم ويعرفون هويته ومبادئه وأفكاره. والمهدي لو قام لما كان أول عمله هو انتهاك حرمة الكعبة وقتل المؤمنين كما فعل هؤلاء”.