ما قصة العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ لماذا اتخذ الملك الراحل الحسن الثاني مواقف مناوئة للثورة الإيرانية منذ اللحظة الأولى لقيامها؟ ولماذا غير موقفه بعد ذلك؟ كيف تدخلت الجزائر على الخط في اللحظات الأولى وأرادت إفساد العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ كيف استقبلت النخبة المغربية الثورة الإيرانية بعد قيامها؟ وكيف كان أداء المغرب خلال الحرب العراقية ــ الإيرانية؟
هذه الأسئلة وغيرها نتابع الإجابة عليها خلال شهر رمضان مع كتاب الباحث الدكتور إدريس الكنبوري “أمير المؤمنين وآية الله.. قصة المواجهة بين الحسن الثاني والخميني”، الذي خص به جريدة هسبريس.
الحلقة السابعة
لقد بدا أن المغرب يريد أن يعزز علاقاته مع دولة إيران من النواحي السياسية والثقافية معا، إذ في تلك الفترة سوف يتم إنشاء قسم للغة الفارسية بجامعة فاس، لتعزيز الحضور الثقافي الفارسي في المغرب.
وفي شهر مارس من عام 1971، زار الزعيم الشيعي اللبناني ـ الإيراني موسى الصدر المغرب، لحضور الدروس الحسنية الرمضانية، على رأس وفد شيعي لبناني؛ إلا أنه حضر كضيف فقط، ولم يلق درسا بين يدي الملك. ويظهر أن المغرب كان يولي ذلك الوفد الشيعي اهتماما كبيرا؛ فقد نشرت جريدة واسعة الانتشار في ذلك الوقت هي “لوبوتي ماروكان” (المغربي الصغير)، التي كانت محسوبة ضمن ما كانت تسميه الحركة الوطنية “صحافة ماص”، على صدر صفحتها الأولى صورة موسى الصدر والأشخاص الخمسة الآخرين الذين معه، وفوقها عنوان بارز “وفد شيعي في المغرب”.
كان الصدر زعيما سياسيا ودينيا شيعيا بارزا خلال الستينيات والسبعينيات؛ فهو ينتمي إلى عائلة علمية ممتدة الاتساع موزعة ما بين العراق ولبنان وإيران، أنجبت العديد من العلماء الكبار أمثال محمد باقر الصدر، المعروف بمؤلفاته الكثيرة التي غزت العالم السني أيضا، مثل “اقتصادنا” و”فلسفتنا”، والذي أعدمه النظام العراقي في عهد صدام حسين عام 1980 بتهمة التخابر مع إيران.
ولد موسى الصدر في قم الإيرانية عام 1928، حيث تلقى تعليمه الأولي، قبل أن ينتقل إلى طهران لمتابعة تعليمه الجامعي، ثم إلى النجف في العراق، حيث درس على يد آية الله محسن الطباطبائي وأبي القاسم الخوئي. وفي عام 1955، قرر الإقامة نهائيا في لبنان، حيث ذاع صيته وبرز كزعيم شيعي لا يطاوَل. وفي عام 1967، أنشأ المجلس الشيعي الأعلى الذي تولى رئاسته، وهو المجلس الذي تولى بعد اختفائه العلامة محمد مهدي شمس الدين إلى حين وفاته عام 2001. وفي عام 1974، سوف ينشئ “حركة أمل” الشيعية في الجنوب اللبناني، التي لعبت دورا أساسيا في مقاومة الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1978.
بعد الغزو الإسرائيلي، قام الصدر بجولة حملته إلى عدد من البلدان العربية، مثل الأردن ومصر والسعودية. وفي يوم 25 غشت من عام 1978، زار ليبيا مع اثنين من المقربين منه، بدعوة من معمر القذافي، وكانت تلك آخر مرة يظهر فيها حيا، حيث اختفى بشكل نهائي ولم يظهر حتى اليوم ما يفيد شيئا عن مصيره.
أما السلطات الليبية في عهد القذافي، فقد أكدت في شتنبر من العام نفسه أن الصدر ومن معه غادروا التراب الليبي نحو إيطاليا يوم 31 غشت؛ بيد أن السلطات الإيطالية نفت دخوله إلى ترابها.
وفي 30 شتنبر 1978، بعد شهر من اختفائه، نشرت جريدة “لوموند” الفرنسية قصاصة تقول فيها إن الصدر تعرض للاختطاف من مطار روما مع شخصين كانا معه، هما محمد يعقوب، أحد زعماء الشيعة اللبنانيين، والصحافي عباس نور الدين، الذي كان مكلفا بالتغطية الإعلامية لزيارة الصدر لليبيا.
وفي عام 2008، نشرت السلطات القضائية اللبنانية مذكرة توقيف دولية ضد العقيد الليبي معمر القذافي وعدد من مقربيه، بتهمة الاختطاف والاغتيال.
ومع بداية الحراك الليبي والإطاحة بنظام القذافي، أمل الكثيرون في أن يظهر ما يقود إلى العثور على موسى الصدر إن كان حيا أو معرفة قبره إن كان قد قتل؛ لكن دون جدوى.
وإذا كان ملف اختفاء موسى الصدر لا يزال قيد المجهول، فهذا لا يخلي ساحة النظام الليبي السابق من المسؤولية في اختطافه، وربما اغتياله، وذلك لفائدة النظام الإيراني الجديد الذي جاء بعد الثورة ضد الشاه، نظرا للتقارب الذي حصل سريعا بين النظام الليبي السابق وبين نظام الخميني، إذ كان من أوائل المسارعين إلى الاعتراف بالنظام الجديد، إلى جانب النظام الجزائري.
لقد كان موسى الصدر مقربا من شاه إيران، وحصل على دعمه في جميع المشاريع التي نفذها في لبنان، من المؤسسات الخدمية التي أقامها إلى إنشاء حركة أمل الشيعية وتسليحها، وإنشاء المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، إذ كان الشاه يطمع في أن يوسع دائرة نفوذه الإمبراطوري بحيث يضم لبنان وأجزاء من العراق، وكان لبنان عمقا إستراتيجيا كبيرا للشاه، كونه يضم ثالث تجمع شيعي في العالم بعد إيران والعراق، لذلك كان يشار إلى موسى الصدر دائما على أنه “مبعوث الشاه في لبنان”.
وبالنظر إلى هذه العلاقة، علاوة على القرابة العائلية التي يقال إنها تجمع بينه وبين الخميني، فقد كان لا بد أن يكون عدوا لهذا الأخير، الذي كان يرى فيه منافسا قويا، أو على الأقل عنصر إزعاج من لبنان؛ لأن الخميني، الذي كان يقدم ثورته على أنها ثورة جميع الشيعة في العالم، لم يكن يرغب في أن يتخلف عنه تجمع شيعي قوي ومؤثر مثل لبنان، في حال لم يحصل تفاهم مع موسى الصدر، على الرغم من أن الصدر نشر مقالا في جريدة “لوموند” الفرنسية يؤيد فيه الثورة ضد الشاه؛ لكن يبقى هذا مجرد احتمال من احتمالات أخرى.