أمير المؤمنين و"آية الله" .. قصة المواجهة بين الحسن الثاني والخميني
صورة مركبة: هسبريس

هسبريس من الرباطالخميس 15 أبريل 2021 – 21:00

ما قصة العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ لماذا اتخذ الملك الراحل الحسن الثاني مواقف مناوئة للثورة الإيرانية منذ اللحظة الأولى لقيامها؟ ولماذا غير موقفه بعد ذلك؟ كيف تدخلت الجزائر على الخط في اللحظات الأولى وأرادت إفساد العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ كيف استقبلت النخبة المغربية الثورة الإيرانية بعد قيامها؟ وكيف كان أداء المغرب خلال الحرب العراقية ــ الإيرانية؟

هذه الأسئلة وغيرها نتابع الإجابة عليها خلال شهر رمضان مع كتاب الباحث الدكتور إدريس الكنبوري “أمير المؤمنين وآية الله.. قصة المواجهة بين الحسن الثاني والخميني”، الذي خص به جريدة هسبريس.

لعله لا توجد مواجهة حقيقية ذات طابع ديني حصلت بين زعيمين من زعماء العالم الإسلامي في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات ــ عندما كان للزعامة معنى ــ مثل تلك التي حصلت بين الراحلين الحسن الثاني وآية الله الخميني في أعقاب سقوط نظام الشاه وصعود الثورة الإيرانية ذات اللواء الإسلامي. إنها قصة مليئة بالتشويق. وعلى هامش التشويق الذي طبع الأحداث المتوالية والمكثفة في الفترة الطويلة ما بين نهاية نظام الشاه وخروجه وأسرته ومعاونيه من إيران إلى أمريكا في 16 يناير 1979، ودخول الخميني إيران قادما من فرنسا في 1 فبراير من العام نفسه، (على هامش ذلك التشويق) هناك تاريخ بكامله وضعت أسسه ومعالمه في تلك الفترة بالأساس، تاريخ جديد كل الجدة يقطع مع كل التواريخ التي سبقت ويرسم أفقا جديدا للعالم الإسلامي وللعلاقة بين الغرب والإسلام.

فاجأت الثورة الإيرانية الجميع، مسلمين وغير مسلمين، وهزت قواعد اليقينيات التي كان الكثيرون، بل الأكثرون، يعتقدون بأنها استقرت تماما ولا توجد هنالك ريح يمكن أن تحولها عن مكانها. بالنسبة للغرب وأوروبا كان مصطفى كمال أتاتورك آخر علماني قضى على آخر “إسلامي”، لذلك لن يرفع زعيم إسلامي رأسه لكي يغامر بإدخال السياسة في الإسلام مرة ثانية، وليست أي سياسة، بل السياسة الدولية بالذات، طالما أن الغرب لا يهمه كيف تحكم شعبك بل كيف تتصرف في الساحة العالمية التي يسيطر هو عليها. فقد كان القضاء على الخلافة العثمانية عام 1923 وإعلان تركيا العلمانية في العام التالي نهاية تاريخ بكامله هو التاريخ الإسلامي، ليبدأ تاريخ الدويلات والقرى والبوادي.

وكان يبدو أن الغرب، وأمريكا بالذات، قد سيطر على الظاهرة الإسلامية سيطرة تامة، من خلال إدارة الصراع بين المجاهدين الأفغان والاتحاد السوفياتي الشيوعي والتحكم في خيوطه. في تلك الفترة كانت الشيوعية هي العدو رقم واحد للغرب الرأسمالي، وكان يتصور أنه وجد الحل النهائي الذي يجتثها من جذورها كإيديولوجيا محاربة للإيديولوجيا الرأسمالية. ذلك الحل هو الإسلام الجهادي، السابق على النزعة الجهادية الحالية، والموجه أساسا إلى الجهاد ضد الشيوعية الملحدة؛ فلا حرب النجوم ولا صواريخ كوبا ولا حروب الجواسيس تستطيع ـ، منفردة أو مجتمعة ــ التصدي لإيديولوجيا تريد هي الأخرى أن تكون كونية، وتقدم نفسها بديلا للغرب الرأسمالي، كالإيديولوجيا الشيوعية، فلا أحد يستطيع أن يقضي على ماركس سوى رجل منظر مثل عبد الله عزام، ولا أحد يمكنه أن يغتال لينين سوى رجل منفذ مثل أسامة بن لادن.

ولكن فجأة يحدث ما لم يفكر فيه أحد، أو على الأقل ما كان يستبعده كثيرون: أول ثورة شعبية ضد نظام قريب من أفغانستان، حيث معركة النمل الأحمر والنمل الأسود؛ ثورة جديدة لا تنادي بالصراع الطبقي ولا ترفع لواء الدفاع على البروليتاريا، ولا تستعمل تلك العبارات السياسية التقليدية التي نجدها في جميع الكتب التي تتحدث عن الثورات، منذ ما قبل الثورة الفرنسية إلى الثورة الكوبية، مثل البورجوازية والطبقة العاملة والفلاحين والأوليغارشية والنظام العميل، بل تستعمل عبارات جديدة لم يسبق أن دخلت آذان الأوروبيين: الله أكبر والمستضعفون والولاية والإمام والاستكبار والغيبة؛ عبارات صاغها علي شريعتي ووجدت تشكلها النهائي في يد الخميني.

ذلك ما كان المستشرقون الغربيون يدرسونه على أنه قاموس عصر مضى، يعود اليوم ليصبح جزءا من السياسة. وأكاد أزعم أن الثورة الإيرانية كانت بداية انفتاح القواميس اللغوية الغربية، مثل لاروس الفرنسي وأوكسفورد الإنجليزي، على الكلمات والمصطلحات الإسلامية بنطقها العربي وحروف لاتينية، وهو ما يدل على أن اللغة تتبع السياسة!

نقلت الثورة الإيرانية مركز الثقل من الشرق الأوسط إلى الخليج العربي، ومن العرب إلى الفرس، وذلك حصل لأول مرة في التاريخ، إذا استثنينا قليلا الدولة الصفوية التي قامت من بداية القرن السادس عشر إلى نهاية القرن الثامن عشر، لكنها حكمت مناطق من العالم العربي. ولعل من مفارقات التاريخ أن الجانب الذي كان في صراع تاريخي مع العثمانيين، وهو الجانب الإيراني الفارسي، هو من سيحيي الإسلام سياسيا في النصف الثاني من القرن العشرين، بعد نصف قرن فقط على نهاية الخلافة العثمانية، وهي مدة لا تساوي شيئا في مقاييس الحضارات.

آية الله الخميني إيران الثورة الإيرانية الحسن الثاني

hespress.com