تشهد منطقة تازناخت الكبرى، بإقليم ورزازات، نشاطا لافتا لصناعة الزاربي التقليدية التي تبدع أنامل نسوية في صناعتها من الصوف الخالص، ويكافحن من أجل استمرار هذا المنتوج التقليدي لقرون دون أن يخضع لطي النسيان، باعتباره مصدر عيشهن ووسيلة للتعبير عن إحساسهن كنساء يعشن ظروفا حياتية صعبة في هذه المنطقة شبه القروية.

نساء تازناخت الكبرى ورثن فنون حياكة الزرابي من أمهاتهن منذ نعومة أظافرهن، ويستعملن أشكالا ورموز مختلفة للزخرفة، تعبيرا عن آمالهن ومعاناتهن كنساء قرويات، بالرغم أن هذه الرموز التي تبدع أنامل النسوة في رسمها لا يستطيع ترجمتها سوى هؤلاء الصانعات.

خلال مراحل صناعة الزربية، تقوم النسوة بترديد بعض الأشعار التقليدية أو ما يسمى بلغة أهل المنطقة بـ”الأتكار”، من أجل تشجيع أنفسهن على مواصلة عملهن الشاق في هذه الصناعة الصعبة التي يظن الكثير من الناس أنها سهلة، عكس الزربية الأخرى التي تنسجها الآلات الحديثة.

المرأة التازناختية

تبدع أنامل المرأة في منطقة تازناخت الكبرى، التابعة إداريا لإقليم ورزازات، في صناعة الزربية التي مزجت فيها بين أصالة الماضي وروح الحاضر، حيث أصبحت الزربية المصنوعة بتازناخت تحمل علامة تجارية محفوظة وطنيا وأضحت مطلوبة في بعض البلدان.

ورغم الشهرة التي كسبتها الزربية المحلية، فإن معظم الصانعات يعانين مشاكل كثيرة وصعبة في ظل جائحة فيروس “كورونا” بسبب غياب وسائل التسويق وإهمال القطاع من طرف الوزارة المكلفة بالصناعة التقليدية، حسب تصريحات عدد من النسوة اللواتي يشتغلن في إطار التعاونيات.

فيروز السكاوي، رئيسة تعاونية تكظيفت ناسكاف للنسيج والخياطة الكائن مقرها بدوار أسكا جماعة وسلسات، قالت إن المرأة الصانعة بمنطقة تازناخت الكبرى تعيش واقعا مزريا بسبب الأزمة التي ضربت العالم بأسره، مشيرة إلى أن هناك غيابا لأي دعم مادي من طرف الوزارة الوصية على القطاع، وتم الاكتفاء بتقديم الصوف للتعاونيات كأن هناك إقبالا على المنتوج.

وأضافت فيروز أن المرأة بهذه المنطقة في حاجة ماسة خلال هذه الفترة إلى الدعم المادي وليس إلى الصوف، لأن فرص تسويق المنتوج غائبة كليا في الوقت الراهن، موضحة أن هذه الصناعة تعتبر مصدر عيش كل هؤلاء النسوة الصانعات، بتعبيرها.

من جهتها، قالت حياة، وهي إحدى الصانعات اللواتي التقت بهن هسبريس، إن هذه الصناعة جد صعبة وتتطلب وقتا طويلا لصناعة الزربية بالمواصفات المحلية والتي تشتهر بها.

وأضافت الصانعة المنضوية تحت لواء مجموعة ذات النفع الاقتصادي تاكظيفت تانزاخت التي تم تأسيسها يوم 8 شتنبر 2016: “المرأة هنا تكافح داخل البيت وخارج البيت، من أجل توفير لقمة العيش وتقديم يد العون والمساعدة لرب الأسرة”، بتعبيرها.

الأخضر والأحمر

خلال زيارة جريدة هسبريس الإلكترونية لورشة عمل الصانعات بمنطقة تازناخت، قالت نزهة، عضوة بتعاونية محلية متخصصة في صناعة الزرابي، إن الألوان الأكثر استعمالا في هذه الصناعة هي الأزرق والأصفر والأحمر والأخضر، مشيرة إلى أن لكل لون معنى خاصا به.

وأوضحت المتحدثة ذاتها أن اللون الأخضر هو تعبير عن الطبيعة التي تشتهر بها المنطقة منذ زمن بعيد، فيما اللون الأحمر فهو تعبير عن الحب للزربية وللمنطقة بشكل عام، مشيرة إلى أن اللونين الأحمر والأخضر هما الأكثر استعمالا مقارنة باللونين الأزرق والأصفر، بتعبيرها.

وأضافت العضوة ذاتها بتعاونية محلية متخصصة في صناعة الزرابي أن النسوة وحدهن هن من يستطعن فهم معنى الألوان المستعملة في هذه الزرابي، مؤكدة أن الألوان التي تستعملها النسوة في حياكة الزرابي لم يتم اختيارها عبثا بل لكونها تحمل دلالات عميقة عن المنطقة بتاريخها وثقافتها وطبيعتها، تضيف المتحدثة.

أنامل مبدعة

رغم دخول الزرابي المصنوعة بالآلات الحديثة من خارج المغرب وداخله إلى الأسواق المحلية ورخص ثمنها، فإن الزربية التازناختية ما زالت محافظة على مكانتها في السوق؛ لأنها تعبر عن ثقافة محلية عريقة ولها تاريخ لا يستهان به.

ويحتفظ العديد من المغاربة من مختلف جهات المملكة إلى الوقت الحالي بنماذج فريدة من الزرابي، لكون زربية منطقة تازناخت المصنوعة بأنامل نساء المنطقة تتميز بطابعها الأمازيغي الخالص بتعدد أشكالها الزخرفية ذات المغزى العميق.

لطيفة الداودي، رئيسة مجموعة ذات النفع الاقتصادي تاكظيفت تازناخت، قالت إن الصانعات يقمن بزخرفة النسيج بمختلف الأشكال الهندسية المنسجمة والمنسقة بالأيدي، مشيرة إلى أن الزربية التازتاختية لا يمكن مقارنتها بالزربية المستوردة من الخارج ليس فقط لجودتها أو لألوانها المتناسقة بل لكونها تعيد الإنسان إلى ماض عريق.

وأوضحت الداودي أن أنامل النساء تحاول في إبداع أشكال جديدة من الزربية؛ لكنها تحافظ على ما تم توارثه من الأسلاف، مشيرة إلى ضرورة دعم هذه الفئة من أجل إبراز المؤهلات في هذا المجال وتحقيق حلمهن ومساعدة أسرهن في مصاريف العيش اليومي.

وقالت المسؤولة بمجموعة ذات النفع الاقتصادي إن النساء استفادن من الصوف خلال فترة جائحة “كورونا” من طرف وزارة الصناعة التقليدية، وتمت صناعة مجموعة من الزرابي بهذا الصوف بالرغم من إغلاق الأسواق الوطنية التي يمكن من خلالها تسويق المنتوج.

معاناة الصانعات

حسب المعطيات التي وفرتها لطيفة الداودي لجريدة هسبريس الإلكترونية، فإن منطقة تازناخت الكبرى توجد بها أكثر من 22 ألف نساجة، مشيرة إلى أن هذه المنطقة تعد أكبر منطقة في إفريقيا من حيث وجود الصناع في هذا القطاع المهم.

وأوضحت المتحدثة ذاتها أن أكثر من 90 في المائة من العائلات المحلية تعتمد على الزربية في قوت عيشها اليومي، لافتة إلى أن الصانعات تضررن في فترة جائحة كورونا لغياب السوق وتوقف السياحة، مشيرة إلى أن الجائحة مست جميع الصانعات والصناع بشكل عام؛ ما يتطلب تدخلا من طرف الوزارة الوصية لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه في السابق.

وفي هذا الإطار، تقول صانعة أخرى، تدعى الزهرة، إن المعاناة التي تعيشها المرأة بمنطقة تازناخت، خاصة الصانعة منها، لا يمكن اختصارها في غياب السوق لترويج المنتوج؛ بل حتى في غياب دعم الدولة لفائدة هذه الفئة الهشة، معبرة عن رفضها استغلال النساء من طرف المسؤولين لالتقاط الصور مقابل تسليم حفنة من الصوف، بتعبيرها.

وأوضحت الصانعة ذاتها، في تصريح لهسبريس، أن الفئة تضررت بشكل كبير بسبب “كورونا” والوزارة الوصية على قطاع الصناعة التقليدية قدمت للتعاونيات الصوف كأن هناك إقبالا على شراء الزرابي، مقابل تقديم الدعم المادي لفائدة مهنيي القطاعات الأخرى كالسياحة، بتعبيرها.

hespress.com