اكتسبت المطالب التقدمية الساعية إلى خفض ميزانيات الشرطة أهمية جديدة في الولايات المتحدة في عام 2020، بعد أن شهدت البلاد حوادث قتل شهيرة راح ضحيتها أشخاص عزل من ذوي البشرة السمراء على أيدي الشرطة؛ وهو الأمر الذي أدى أيضا إلى بث روح جديدة لدى حركة “حياة السود مهمة” الاحتجاجية.
وذكرت صحيفة “واشنطن بوست” أن الشرطة قتلت ما لا يقل عن 976 شخصا بإطلاق الرصاص عليهم في عام 2020 فقط، وقد صُوّرت الكثير من تلك الحوادث وشاهدها الملايين على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقبل كل شيء، لقد كان مقتل جورج فلويد، وهو شاب من ذوي البشرة السمراء، بينما كانت تحتجزه الشرطة في مينيابوليس في ماي الماضي، هو الحدث الذي أدى إلى تفجر شعار “أوقفوا تمويل الشرطة” على وسائل التواصل الاجتماعي، وظهور لافتات في جميع أنحاء المدن ذات الميول اليسارية.
ومن جانبه، أوضح سكوت هيشينجر، وهو محامي دفاع عام منذ فترة طويلة في نيويورك ومؤسس منظمة “زيلوس”، إن “هناك حالة من الزخم المتزايد الذي وصل إلى نوع من التصعيد فيما يتعلق بواقعة جورج فلويد”.
وفي أعقاب وفاة فلويد، أظهر المتظاهرون في بالتيمور دعمهم للحركة المعنية بخفض أموال الشرطة؛ من خلال كتابة عبارة “أوقفوا تمويل الشرطة” بأحرف كبيرة على لوحة إعلانات، دعما لإعادة انتخاب عمدة المدينة.
وقد يكون العمدة قد خسر المحاولة الانتخابية، إلا أن لوحة الإعلانات التي تدعو إلى خفض ميزانية إدارة شرطة بالتيمور مازالت قائمة على أحد الطرق الرئيسية في المدينة.
ولا يعتبر المطلب جديدا في حد ذاته، حيث إن النشطاء يؤكدون، منذ فترة طويلة، أنه يجب سحب الأموال من ميزانيات الشرطة وإعادة تخصيصها للخدمات الاجتماعية، لتقليل معدل الجرائم وعدد حوادث القتل التي يرتكبها أفراد الشرطة.
ويرى النشطاء أن الشرطة تُترك غالبا للتعامل مع مواقف من الأفضل أن يقوم الأخصائيون الاجتماعيون ومسؤولو الصحة العامة بمعالجتها، وأن الاستثمار في قطاع الرعاية الاجتماعية من شأنه أن يقلل معدل الجرائم.
ومن جانبه، يقول كريس هاريس، مدير “مشروع العدالة الجنائية” في منظمة “أبلسيد” التي تتخذ من تكساس مقرا لها، إن “هناك مجموعة من الأبحاث الناشئة الجيدة التي تُظهر كيف ترتبط ميزانيات الشرطة المتزايدة بخفض التمويل في مجموعة كاملة من الخدمات الاجتماعية الأخرى”.
وحسب تحليل أجراه معهد “أوربان انستيتيوت” في واشنطن ونشر في يونيو الماضي، فإن الميزانية الأمريكية المخصصة للشرطة تضاعفت ثلاث مرات تقريبًا منذ عام 1977، لتصل إلى 115 مليار دولار. ويرى النشطاء أنه من الأفضل إنفاق الأموال في مجال آخر.
وأضاف هاريس أن “هناك حاجة ماسة إلى إعادة الاستثمارات، ولا سيما في مجتمعات ذوي البشرة السمراء والبنية ومجتمعات الفقراء؛ من أجل المساعدة الفعلية في تجنب الكثير من الظروف غير الآمنة وغير الصحية التي يعيشها المواطنون”.
وأشار مدير “مشروع العدالة الجنائية” في المنظمة سالفة الذكر إلى أن الشرطة تكون غالبا من يتعامل في الخطوط الأمامية مع الأشخاص الذين يواجهون التشرد، على سبيل المثال.
وأضاف المتحدث ذاته أنه في حين أن خفض ميزانيات الشرطة لن يحل المشكلة المجتمعية الأساسية، إلا أنه “يمكن عمل استثمارات في المجتمعات التي يمكن أن تمنع الكثير من الأزمات التي يتم استدعاء الشرطة للتعامل معها اليوم”.
ويختلف مؤيدو الحملة مع بعضهم البعض حول الحجم والسرعة التي يجب أن تنخفض بها ميزانيات الشرطة. ويرى البعض ضرورة خفضها بالكامل، بينما يرغب البعض الآخر في رؤية المزيد من الخفض التدريجي للأموال.
ونظرا لأن الإدارة والشرطة في الولايات المتحدة تتسم بعدم المركزية، فإن هذا الجدل القائم، وحتى التجارب الأولية في خفض تمويل الشرطة، يتم على مستوى الولاية والمدينة.
وقد بدأت بعض المدن، بالفعل، تجربة ما سوف يبدو أشبه بخفض ميزانيات الشرطة؛ فبعد مقتل فلويد، صوّت مجلس مدينة مينيابوليس على قرار بخفض أكثر من 1,5 ملايين دولار من ميزانية الشرطة السنوية للمدينة، والتي يبلغ حجمها نحو 200 مليون دولار.
وفي أماكن أخرى، تم خفض مبالغ أكبر. ففي غشت الماضي، صوّت مجلس مدينة أوستن في ولاية تكساس، بالإجماع، على خفض ميزانية شرطة المدينة البالغ حجمها 434 مليون دولار، بواقع الثلث.
ولم يتضح بعد ما إذا كانت هناك مدن أخرى، أو ربما ولايات بأكملها، ستتبع تجاربها الخاصة فيما يخص إعادة توجيه أموال الشرطة.
من ناحية أخرى، لم يوضح الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، المنتمي إلى التيار الديمقراطي، موقفه بصراحة من الاقتراح الذي شجبه الكثير من النواب الجمهوريين.
ويقول مدافعون عن الاقتراح، من أمثال هاريس، إن الحديث بشأن السنوات المقبلة قد بدأ للتو، وأن هذا الزخم لن يزيد إلا عند صياغة ميزانيات الشرطة السنوية التالية.
وقال هاريس: “سنرى المزيد من الحدث بشأن ميزانيات الشرطة للسنة المالية 2022″، مضيفا أنه “سيكون هناك تقدم مستمر”.