أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في مسك ختام ولايته الرئاسية، عن مرسومين أصدرهما يوم الخميس 10 دجنبر الجاري يتضمنان بندين رئيسيين تاريخيين هما: اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب الكاملة على أقاليمه الصحراوية، فيما تضمن البند الثاني اعترافا صريحا وعلنيا للمملكة المغربية بدولة إسرائيل.

وبذلك تكون الولايات المتحدة الآن هي الدولة الغربية الوحيدة التي تعترف بالسيادة المغربية على الصحراء، ومن دون شك سوف تفتح مبادرة دونالد ترامب هاته الباب على مصراعيه لاعتراف دول أخرى بهذه السيادة المشروعة بالنظر إلى القوة الاقتراحية السياسية التي تتمتع بها الولايات المتحدة الأمريكية في المنتظم الأممي.

لا يبقى، إذن، على إدارة الرئيس القادم جو بايدن سوى تزكية هذا القرار التاريخي الذي لن يكون سوى رد دين تاريخي للمملكة المغربية التي كانت أول دول في العالم تعترف باستقلال أمريكا منذ سنة 1777 .
وبهذا القرار، ستلغي الولايات المتحدة رسميًا خيار استفتاء تقرير المصير كما تم استصداره في اتفاقيات وقف إطلاق النار الموقعة عام 1991 بين المغرب وجبهة “البوليساريو” في الأمم المتحدة، وسوف تدعم خيار الحكم الذاتي الذي يظل “الخيار الواقعي الوحيد” للتوصل إلى حل عادل ودائم ومتوافق بشأنه من أجل مستقبل الصحراء..

في هذا اليوم التاريخي البارز في الدبلوماسية المغربية، أصدر القصر الملكي بيانًا عن محادثة هاتفية بين الملك محمد السادس والرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب. وأعلن البيان أن الولايات المتحدة ملتزمة بإنشاء قنصلية لها في مدينة الداخلة. وجاء هذا الإجراء في إطار السياسة التي بدأها المغرب منذ أشهر عديدة لجذب قنصليات من مختلف البلدان إلى الصحراء المغربية. وهكذا، يكون المغرب قد أكد سيادته على المنطقة بفتح عديد من القنصليات؛ منها تسع في العيون العاصمة الإدارية، وسبع في الداخلة. ومعظم هذه الدول من إفريقيا فيما كانت دولة الإمارات العربية المتحدة أول دولة عربية تعلن عن افتتاح قنصلية لها في 4 نونبر 2020.

من جانب آخر ومن خلال هذا الاتفاق، فإن المغرب ملزم باستئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل “في أقرب وقت ممكن” والسماح برحلات جوية مباشرة لنقل أفراد الجالية اليهودية المغربية والسياح الإسرائيليين من وإلى المغرب. كما ستعمل على تعزيز العلاقات في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية مع إسرائيل.

يقينا أن هذا القرار التاريخي سيكون له ما بعده على الصعيدين الداخلي والخارجي على مستويات عديدة؛ أولها على المستوى الداخلي، فالرأي العام المغربي يدرك جيدا جسامة الخطوة التي أقدم عليها عاهل البلاد لإنهاء هذا النزاع المفتعل بين المغرب وجزء آخر من شعبه الصحراوي الذي غرر به في سياق صراع حرب إيديولوجية مستعرة قادتها الجزائر وليبيا نيابة عن المعسكر الشرقي الشيوعي؛ بينما هناك الجناح العروبي القومجي والإسلاموي واليساري وبعض منظمات المجتمع المدني التي ستعبر من خلال بياناتها عن معارضتها لهذا القرار، بدعوى أنه سيعمق من الجرح الفلسطيني ويعزز من جانب آخر شرعية الكيان الصهيوني الغاصب، خصوصا أن الملك محمدا السادس يترأس لجنة القدس منذ اعتلائه عرش المغرب.

على المستوى الخارجي وعلى الصعيد العربي، فإن عديدا من القيم العروبية قد تغيرت خلال ما سمي بالربيع العربي، وجامعة الدول العربية لم تعد لها قرارات حاسمة وفعالة وذات مصداقية وهي اليوم قد باتت مشلولة مثل الرجل المريض لا تنتظر سوى التوقيع على شهادة وفاتها ثم رحيلها إلى مثواها الأخير إن لم نقل إلى “مزبلة” التاريخ.

الحرس القديم لمعسكر الممانعة الذي تصطف في خندقه القديم كل من سوريا وإيران وحزب الله اللبناني ومنظمة “حماس” الفلسطينية وساعدهم الأيمن روسيا من دون شك ستكون لهم كلمة في موضوع اعتراف المملكة بدولة إسرائيل واعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، علما أن لا دولة واحدة من هذا اللفيف ساند المغرب ولو مرة واحدة على الأقل على استكمال وحدته الترابية إذا كان بالفعل هدفهم الأسمى هو مناصرة الدول على تصفية الاستعمار واسترجاع أراضيها السليبة.

إننا نعتبر قرار الرئيس دونالد ترامب الاعتراف بالسيادة المغربية الكاملة على أقاليمه الصحراوية وقرب فتح قنصلية في مدينة الداخلة هو في النهاية خطوة تاريخية واقعية وبراغماتية وعملية وموضوعية وعقلانية ومنصفة أولا وأخيرا لقضيتنا الوطنية الأولى، التي عمرت زهاء خمسة عقود.

hespress.com