لم يعد ولوج المرأة المغربية إلى سوق الشغل واشتغالها بجانب الرجل في مختلف المجالات يثير الاستغراب أو الدهشة، بعدما أثبتت النساء، منذ سنوات خلت، قدراتهن على تقلد مختلف المناصب عن جدارة واستحقاق، والقيام بجميع المهام المنوطة بهن بالكفاءة المطلوبة، دون استثناء الأشغال التي كانت إلى وقت قريب حكرا على العنصر الذكوري لأسباب عديدة.

آليات ضخمة بين أياد ناعمة

ومن بين تجليات وصول المرأة المغربية إلى القطاعات التي كانت ذكورية بامتياز تمكُّن مجموعة منهن، في السنوات الأخيرة، من مزاولة المهن والحرف وتحمل المسؤوليات في جميع الميادين والقطاعات؛ من بينها سياقة وسائل النقل العمومي بمختلف أصنافها البرية والبحرية والجوية بما يتطلب ذلك من معارف ومهارات وشجاعة، قبل أن تصل يد المرأة إلى مقود آليات توصف بالعملاقة.

الحديث هنا عن ثلاث فتيات يشتغلن في شركة للمناولة بأحد أوراش المجمع الشريف للفوسفاط بضواحي مدينة خريبكة، حيث استطعن في ظرف وجيز التدرب والتأقلم ثم النجاح في تطويع آليات كبيرة بين أيديهن الناعمة، وتحريك شاحنات ضخمة بانسيابية تامة وسط جبال الفوسفاط، من أجل نقل الذهب الأبيض من أماكن الاستخراج إلى مواضع التخزين والمعالجة.

مسافة الميل تبدأ بخطوة

ضخامة العجلات التي يتجاوز قطر الواحدة منها ثلاثة أمتار وستين سنتيمترا، وعلو مقصورة القيادة التي يصل ارتفاعها أحيانا إلى ستة أمتار، وثقل حمولة الفوسفاط التي تصل إلى مائتين وأربعين طنا في الشحنة الواحدة، كلها صعوبات انكسرت أمام إصرار الشابات الثلاث على تأكيد قدرتهن على تحمل المسؤولية مهما بلغت شدتها وتشابكت متطلباتها وتعددت عوائقها.

ضحى سلامي، واحدة من الفتيات الثلاث اللواتي يعملن مع شركة Procan للمناولة، قالت إن أولى خطوة قامت بها في مسارها المهني تمثلت في التفاعل مع إعلان نشرته الشركة للبحث عن عاملات، حيث تواصلت مع الشركة خلال فترة الحجر الصحي الذي فرض قبل أشهر بسبب انتشار فيروس “كورونا”، لتجد مشوارها في المقابلة والتدريب والتكوين، دون إخفاء الخوف الذي انتابها وهي ترى أمامها شاحنات كبيرة ستصبح في يوم من الأيام سائقة لها.

التتبع والمواكبة والتحدي

ضحى كشفت، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن التفكير في التراجع والانسحاب من هذا التحدي الجديد رافقها خلال المراحل الأولى؛ لكنها تمكنت بفضل التكوين النظري والتطبيقي ومساعدة مسؤولي الشركة وباقي العاملين بها من التغلب على ذلك الخوف شيئا فشيئا، إلى أن اكتشفت بأن سياقة الشاحنات الكبيرة لا تتطلب سوى التركيز وتتبع التعليمات وأخذ الأمور على محمل الجد.

وأكدت المتحدثة ذاتها أنها استطاعت، رفقة زميلتيْها، الاندماج في العمل والتأقلم مع الأجواء الجديدة بفضل المواكبة والتتبع الدائمين من طرف المسؤولين وباقي الزملاء، مشددة على أنها سعيدة لأنها لم تنسحب في وقت سابق، ولم تفوت على نفسها فرصة إبراز قدرتها بسياقة آليات كبيرة مخصصة لنقل المعادن.

تشجّعن لتبقى “المغربية” في المقدمة

وعن الفتيات اللواتي ما زلن متخوفات من مواجهة هذا النوع من التحديات، قالت ضحى سلامي: “بعد هذه التجربة، يمكن القول بأن لا شيء مستحيل في هذه الحياة، وما دام الإصرار والعزم حاضريْن يمكن للمرأة الوصول إلى أي منصب شاءت”، خاتمة تصريحها بتوجيه نصيحة إلى جميع المغربيات بالقول: “تشجّعن، وستبقى المرأة المغربية دائما في المقدمة”.

مسؤولون بشركة “بروكان” للمناولة أكدوا، في تصريحات لجريدة هسبريس، أن الشركة أخذت على عاتقها مسؤولية إشراك العنصر النسوي في مختلف المهام التي تقوم بها بمناجم المجمع الشريف للفوسفاط بمنطقة “لمرح لحرش”، وعلى رأسها قيادة الآليات الضخمة التي تؤمن عملية نقل الأطنان من مادة الفوسفاط بين أماكن الاستخراج والتخزين، بدءا بتدريب وتأهيل 3 فتيات.

إستراتيجية بعيدة المدى

وأفاد القائمون على تسيير شؤون الشركة بأن الفتيات خضعن لتكوينات نظرية وتطبيقية امتدت لحوالي أربعة أشهر، وشملت مختلف الجوانب التي ينبغي على سائقي الآليات معرفتها؛ خاصة ما يرتبط بالمخاطر المحتملة، واحترام شروط السلامة، ومعايير القيادة الصحيحة، وكيفية التعامل مع مختلف الأعطاب التي تشهدها الآليات، وكذا التواصل الفعال مع الفرق المشتغلة في المنجم.

ويأتي ضمن إستراتيجية شركة “بروكان” للمناولة، التي تتوفر على معدات ضخمة وآليات متطورة لنقل الفوسفاط، الرفع من عدد العنصر النسوي ضمن مواردها البشرية، في أفق الوصول إلى 35 في المائة من النساء من المجموع العام للعاملين في مصالحها مع نهاية السنة الجارية، وفق مسؤولي الشركة سالفة الذكر الذين نوهوا في الوقت ذاته بحرص مسؤولي المجمع الشريف للفوسفاط على تسهيل وتشجيع ولوج المرأة إلى المنجم.

hespress.com