أين الرحمة في "حي الرحمة"؟
صورة : منير امحيمدات


سعيد بن عائشة


الثلاثاء 9 فبراير 2021 – 08:45

بعض أسماء الأحياء التي تمت تسميتها حسب تصنيف سلا والرباط وما جاورهما، لا علاقة لها بالواقع، وأي تشابه بين الأسماء الواقعية، والأسماء المتداولة إداريا، فهو محض استثناء، فما يسمونه حي الفرح، هو في الحقيقة “دوار الحاجة”، وما يسمونه حي يعقوب المنصور كان يسمى في جزء منه بـ”دوار الكورة”، أما في حي الرشاد فتوجد “بيزنطة”، وهي المنافس الأول لحي آخر يوجد على بعد خطوات من وادي أبي رقراق يسمونه “قريش”، والمدينة كلها تسمى “عاصمة الأنوار”، وهي فعلا يمكن أن تصبح كذلك بفضل الأوراش الكبرى من المسرح الكبير والمسبح الكبير وصولا إلى أعلى برج في إفريقيا… بشرط إعادة هيكلة الأحياء الهامشية.

في مدينة سلا، وهي بالمناسبة ثاني مدينة من حيث الكثافة السكانية ويغلب عليها “طابع المبيت”، حيث إن فرص الشغل مرتبطة بمدينة الرباط أو الدار البيضاء، أو في اتجاه القنيطرة، يحصل أحيانا أن يصل الإجرام إلى مستوى من البشاعة لا يمكن تصوره، وقد اضطرت المصالح الأمنية في مراحل سابقة إلى خوض حرب “ضد الإرهاب” في المنطقة، كما أن الأمنيين الذين يتم تعيينهم في هذه المناطق يعرفون أكثر من غيرهم خطورة الوضع في المدينة التي تحمل فيها بعض الأسماء “صفات قدحية”.

في حي الرحمة، تابع المغاربة تفاصيل جريمة غامضة لا رحمة في مرتكبها، ومازالت المصالح الأمنية تدرس السيناريوهات المرعبة، التي تفوق خيال منتجي أفلام الرعب، بعد ذبح ستة أشخاص من عائلة واحدة، بالإضافة إلى كلبين. ويبقى أكثر المشاهد رعبا على الإطلاق في هذه الجريمة، مشهد ذبح طفلين، أحدهما رضيع. ولم يكن الرعب ليقف عند هذا الحد، بل إن المجرم، أو المجرمين المفترضين أضرموا النار في أجساد الضحايا.

لا حدود للرعب في هذا الحي رغم أنه يسمى حي الرحمة، وجريمة من هذا النوع تسائل القيم المجتمعية واندحارها نحو تصرفات بدائية ظهرت مع الإنسان القديم، أو انحراف نحو تصرفات همجية تشكل خطرا على المجتمع برمته.

في مدينة سلا، مازالت بعض الظواهر الخطيرة، ومثلها في مدن مغربية أخرى، تفرض نفسها على المواطنين. وفي القرن 21، مازال هناك من يحمل سيفا، ويخرج لقطع الطريق على النساء الكادحات المغلوب على أمرهن المتوجهات إلى عملهن كل صباح، ومازال هناك من المجرمين من يعطي لنفسه حق التحرش، والاغتصاب إن سمحت له الظروف الإجرامية بذلك، ومازال هناك من يعطي لنفسه حق المتاجرة بالممنوعات. كما مازال هناك شباب يخربون الحافلات، وشباب يمتنعون عن دفع ثمن التنقل، بعضهم خارج التصنيف وخارج الحياة، ولا حياة لمن تنادي.

إن جرائم من النوع سالف الذكر تقتضي وقفة تأمل، لأن إرهابا من هذا النوع، أو انحرافا من هذا النوع، هو ناقوس إنذار إزاء المستقبل، وإذا كانت أسرة كاملة قد لقيت حتفها لأنها لم تجد من يؤتمن عليها، فإن السؤال المطروح يغدو: أي مجتمع نريد وأي مجتمع هذا حيث نعيش؟

hespress.com