يرى عبد الكريم إبنوعتيق، وزير سابق وعضو مركز الدراسات الدبلوماسية والإستراتيجية بباريس، أن جل الأمريكيين، في زمن بايدن، يحبذون إعطاء الأولوية للأزمة الصحية مع الاهتمام بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية، بالرغم من أن الرئيس الأمريكي، بمجرد انتخابه، ألح على ضرورة طي صفحة “أمريكا أولا” التي نادى بها سلفه ترامب متشبثا بشعار “أمريكا عائدة”.

وبقراءة متأنية في دواليب صناعة القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية الأمريكية، يرجح إبنوعتيق، في مقال جديد له، فرضية استمرار مقاربة الرئيس السابق أوباما في التعاطي مع القضايا الكونية على الأقل على المدى القريب، مع الحفاظ على بعض التوازنات لصالح الحلفاء الأساسيين للولايات المتحدة الأمريكية والتي أقرها ودعمها سلفه ترامب؛ ومن بينها قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية.

وهذا نص مقال إبنوعتيق:

الأولوية للقضايا الداخلية

في مناسبة اعتبرت من طرف المتتبعين للشأن الأمريكي حدثا سياسيا بامتياز، الرئيس بايدن وأمام المؤسسة التشريعية، الكونغريس بغرفتيه مجلس النواب ومجلس الشيوخ، ألقى ساكن البيت الأبيض أول خطاب موجه إلى الأمة الأمريكية يوم 28 أبريل 2021 بمناسبة مرور مائة يوم على وصوله إلى الحكم وذلك تحت أنظار رئيستي البرلمان، الديمقراطيتين نانسي بلوسي وكمالا هارس؛ وهي بالمناسبة سابقة نسائية بامتياز في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، أن تترأس امرأتان المؤسستين التشريعيتين، مما دفع بالرئيس الأمريكي إلى الإشارة إلى أن هذه اللحظة تعتبر استثناء أمريكيا يعود فيه الفضل إلى الحزب الديمقراطي الذي بوأ المرأة مكانة تساعدها على المساهمة الفعلية في صناعة القرارات الحاسمة في البلاد. مواجهة جائحة “كوفيد 19” جعل منها بايدن معركة لكسب رهان عطف الأمريكيين، معتبرا الأزمة الصحية مناسبة أظهرت القدرة اللوجيستيكية والتدبيرية للدولة الأمريكية. وجه كذلك خطابا صريحا إلى الجمهوريين يحثهم على ضرورة إيجاد توافقات من أجل المصادقة على القوانين الأساسية كتلك المتعلقة بالهجرة، حذر في خطابه أمام الكونغريس من أن العالم لا يمكنه أن ينتظر طويلا الولايات المتحدة الأمريكية؛ فالمنافسة حسب بايدن شرسة في إشارة إلى الصين، واكتسابها حسب الرئيس يمر عبر الاستثمار في الأجيال المقبلة. كما دافع عن فكرة حسن إعادة توزيع مكتسبات الانتعاش الاقتصادي، مركزا على أن 1 في المائة من الأمريكيين الأغنياء مطالبون بتأدية ما أطلق عليه بايدن مصطلح “الضريبة الحقة”، أشار كذلك إلى أن الإصلاحات الكبرى التي ينوي القيام بها خلال ولايته الحالية هي في حد ذاتها رسالة إلى الخارج الذي بدأ حسب قوله يشكك في الديمقراطية الأمريكية التي تعرضت إلى خدش في صورتها على المستوى الكوني في 6 يناير 2021 بعد الهجوم على مقر الكابيتول.

بايدن يسارع الزمن قبل سنة 2022 أي موعد الانتخابات التي تتوسط ولاية الرئيس في الولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما أنه لا يتوفر على أغلبية مريحة، معلنا عن برنامج طموح لمواجهة التأخر الحاصل في مجال الصحة والتربية ومحاربة الفقر؛ وذلك بغلاف مالي يصل إلى 1800 مليار دولار. هذا البرنامج يتضمن تعميم خلق مدارس التعليم العمومي الأولي، سن برنامج فيدرالي يسمح بالتوقف عن العمل المؤدى عنه بسبب المرض، ثم دعم مجانية التسجيل لمدة سنتين في جامعة القرب التي يطلق عليها ” Community Colleges ” بدون ضمانات أو شروط معينة للدخل المادي، بالإضافة إلى تقديم منح للطلبة لاسيما في الجامعات المعروفة تاريخيا بحضور قوي للطلبة الأفرو أمريكيين. كما أكد رفضه خلق نظام فيدرالي للتغطية الصحية، مجددا وعده بفتح مجال للأمريكيين للاستفادة من مشروع أوباما للتغطية الصحية.

على المستوى الاقتصادي، وعد برفع الضرائب من 21 في المائة إلى 28 في المائة لتمويل برنامج الاستثمارات في البنيات التحتية ومواكبة حاجيات الفئات المتقدمة في السن وكذلك شرائح ذوي الاحتياجات الخاصة، كل ذلك بمبلغ يصل إلى 2300 مليار دولار.

السؤال المطروح هنا هو ما مدى قدرة الرئيس بايدن على تمرير هذه الإصلاحات ذات العمق الاجتماعي في ظل غياب أغلبية مريحة، مع وجود انقسام داخل المجتمع الأمريكي بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة؟.

القضايا الكونية الكبرى بين الانتظارية وضغط الحلفاء

هل تستطيع واشنطن الاستمرار في عدم التعاطي مع التعقيدات الكونية الحالية تاركة حسب المتتبعين فراغا إستراتيجيا قد تستغله قوى أخرى على رأسها الصين؟ أكيد أن جل الأمريكيين يحبذون إعطاء الأولوية للأزمة الصحية مع الاهتمام بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية، بالرغم من أن الرئيس بايدن وبمجرد انتخابه ألح على ضرورة طي صفحة “أمريكا أولا” التي نادى بها سلفه ترامب متشبثا بشعار “أمريكا عائدة”.

يجب أن لا ننسى أن بايدن ترأس في السابق لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، ومن ثم فهو يعي جيدا أهمية التفاعل والحضور في قلب الملفات الكبرى دفاعا عن مصالح الولايات المتحدة الأمريكية. بعض المبادرات الأولى جاءت منسجمة مع هذا الوعي، من خلال تعيين شخصيات وازنة كان لها دور محوري في المفاوضات النووية مع إيران سنة 2015 مثل ويندي شيرمان كمسؤولة ثانية في وزارة الخارجية أو كولان كال كمسؤول ثالث بوزارة الدفاع الأمريكية.

يجب الاعتراف هنا بأن البيت الأبيض وجد نفسه أمام خريطة دولية تتميز بثلاثة اتجاهات تخترق بنية حلفاء واشنطن:

الاتجاه الأول ملتزم بالارتباط القوي بالولايات المتحدة الأمريكية، لا يتوفر على بدائل قادرة على إيجاد نوع من الحماية للتهديدات المحتملة مثل حالة اليابان أو بولونيا، هذه الأخيرة بادرت إلى اقتناء نظام باطريوط الأمريكي بـ5 مليارات دولار لتقوية دفاعاتها الجوية بالإضافة إلى 32 طائرة من نوع ف 35. طوكيو هي الأخرى حصلت على أسلحة أمريكية لتجديد ترسانتها الدفاعية، على رأس هذه المعدات 105 طائرات حربية من نوع ف 35، وهي بالمناسبة أكبر صفقة أمريكية تم الترخيص لها من طرف البانتاغون لصالح دولة أجنبية.

الاتجاه الثاني يسعى إلى البحث على نوع من الاستقلالية الإستراتيجية ولو بشكل نسبي تحسبا لبعض الفترات التي تفضل الولايات المتحدة الأمريكية التفرغ لمشاكلها الداخلية على حساب الاهتمام بالصعوبات التي تعترض حلفائها. هذه المقاربة تبنتها في السنوات الأخيرة أستراليا التي قررت إعادة هيكلة جيوشها مع الحرص على استمرار تحالفها التاريخي مع واشنطن الذي انطلق منذ 1951؛ “فكامبيرا” وافقت على الرفع من ميزانيتها العسكرية التي وصلت إلى 30 مليار دولار أي 2 في المائة من الناتج الداخلي الخام الأسترالي.

الاتجاه الثالث تقوده تركيا، هذه الأخيرة قررت أخذ مسافة مع حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية في السنوات الأخيرة؛ وذلك بالانفتاح على موسكو عن طريق شراء الصواريخ الروسية S400 أو التقرب من بكين مع فتح جسور مع طهران، بالرغم من أن وصول بايدن إلى البيت الأبيض أعاد الدفء إلى منظمة الحلف الأطلسي التي تعرضت إبان حكم ترامب لضربة قوية أدخلت الشك في أوساط حلفاء واشنطن.

بعض الملفات العالقة والمعقدة

هناك ملفات عديدة معقدة تظل عالقة إلى يومنا هذا، نذكر منها توتر العلاقات الروسية الأمريكية التي تجتاز مرحلة صعبة لم تعرفها منذ الثمانينيات من القرن الماضي؛ فمعلوم أن العودة بقوة إلى مسرح الأحداث الكبرى كونيا هو اختيار تبناه الرئيس بوتين منذ وصوله إلى السلطة سنة 1999. بدأ بالتواجد والتأثير في محيط روسيا القريب أي امتدادات الاتحاد السوفياتي سابقا، وانتهى بإصلاحات كبرى مست المؤسسة العسكرية والتي بدأت منذ سنة 2000. الأزمة الأوكرانية في مارس 2014 وما ترتب عنها من ضم منطقة القرم عمق الأزمة الروسية الأمريكية، ضف إلى هذا تدخل موسكو في الأزمة السورية واستعمالها كورقة للتموقع في منطقة الشرق الأوسط كفاعل رئيسي، ثم المساهمة في إضعاف علاقة أمريكا بحلفائها التقليديين مثل تركيا، مع خلق ظروف للتقارب مع بكين في مجالات حساسة تهم قطاع الدفاع؛ مما دفع واشنطن سنة 2018، ومن خلال التقرير الإستراتيجي السنوي، إلى وضع روسيا في خانة “المنافس الإستراتيجي”.

حاليا، يرى أهل الاختصاص أن إمكانية إعادة الثقة إلى العلاقات الأمريكية الروسية ضعيف جدا إن لم نقل شبه منعدم، بدليل أن وليام بورنس، مدير جهاز المخابرات المركزية الأمريكية ” CIA “، المعين من طرف بايدن، المتمكن والعارف لتفاصيل الملف الروسي، إذ اشتغل سفيرا للولايات المتحدة الأمريكية بموسكو ما بين 2005 و2008، أشار إلى “أن الطريق نحو روسيا مليء بالعقبات، لن يتحول بسهولة إلى مسلك قابل للعبور”.

ملف الاتحاد الأوربي هو الآخر حاضر بقوة، فالعلاقات مع بروكسيل تعرضت لهزات عديدة إبان حكم ترامب، الرئيس بايدن له إيمان قوي بأن الشراكة والتعاون مع أوربا هو المدخل الحقيقي لدعم التفوق الأمريكي.

بدأ ولايته بخطاب الطمأنة من خلال التأكيد على أن خياراته المستقبلية سترتكز على الدفع بالعلاقات متعددة الأطراف، ثم إعلانه عودة واشنطن إلى اتفاق باريس حول المناخ، مع إلغاء مسطرة انسحاب أمريكا من منظمة الصحة العالمية، زد على ذلك رغبته في العودة إلى الاتفاق النووي مع طهران.

وبالرغم من هذه الإشارات القوية فإن انتظارات الاتحاد الأوربي ما زالت قائمة؛ فالحروب التجارية التي دشنها ترامب ضد بروكسيل لم تتغير إلى حد كتابة هذه السطور، مثل الرسوم الجمركية المطبقة على الحديد أو الأليمنيوم الأوربي أو الخلاف المعقد الذي يمس قطاع صناعة الطيران والمتمثل في المنافسة الشرسة بين بوينغ وإيرباص، ثم تخوف الأوساط الاقتصادية في الاتحاد الأوربي من تشبث بايدن بفكرة عدم التوقيع على أي اتفاق تجاري دون التفكير القبلي في حماية مصالح شرائح الفئات الوسطى من الأمريكيين، زد على هذا انزعاج صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق الموقع بين الاتحاد الأوربي والصين حول الاستثمارات في دجنبر 2020، قبل وصول الرئيس بايدن للحكم بالرغم من إدراك الأوربيين للتوافق الحاصل بين مختلف الفرقاء الأمريكيين ديمقراطيين كانوا أو جمهوريين حول ضرورة مواجهة المنافس الرئيسي لواشنطن ونقصد به الصين.

أما الملف الثالث فيتمثل في عقدة التفوق الصيني، فالمتتبعون والمختصون في العلاقات الأمريكية الصينية يؤكدون وجود أزمة معقدة بين البلدين لم تعرفها العلاقات الثنائية منذ 1970. يجب التذكير هنا بأنه بمجرد وصول ترامب إلى البيت الأبيض تغيرت لهجة خطاب صناع القرار في أمريكا اتجاه الصين، إلى درجة أن التقرير الإستراتيجي الصادر سنة 2017 استعمل ولأول مرة مصطلح “المنافس الإستراتيجي”، وعلى المنوال نفسه سار تقرير سنة 2018 الذي اعتبر التقدم الصيني بمثابة “عدوان اقتصادي Agression Economique، لا يهدد الولايات المتحدة الأمريكية فقط بل كل اقتصاديات العالم.

في الشهور الأخيرة لولاية ترامب، قام البيت الأبيض بمبادرات تهديدية اتجاه الصين؛ نذكر منها العقوبات الموجهة ضد بعض المسؤولين داخل المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني أو تلك المتخذة ضد المسؤولة عن الجهاز التنفيذي بهونكونغ كاري لام، بعدها تم فرض عقوبات على بعض الشركات الصينية التي تتهمها واشنطن بقربها من المؤسسة العسكرية الصينية؛ وذلك بالتشطيب على ثلاث شركات منها من لائحة بورصة نيويورك. رد فعل بكين كان هو القيام بمعاقبة 28 مسؤولا أمريكيا بتزامن مع تنصيب الرئيس بايدن؛ من بينهم وزير الخارجية السابق مايك بامبيو.

ومعلوم أن تصريحات المسؤولين الأمريكيين الكبار ما زالت مستمرة في نهج مقاربة التصعيد؛ ففي العاشر من فبراير الماضي، الرئيس بايدن عبر عن إرادته لتطوير إستراتيجية عسكرية صارمة في مواجهة الصين التي تحولت في السنوات الأخيرة، حسب رأيه، من منافس اقتصادي إلى خصم إستراتيجي.

بدوره، اعتبر المسؤول الأول عن البانتاغون الجنرال ليود أوستان الصين إشكالية معقدة من خلال صعوبة إيجاد نوع من التوازن بين ضرورة التعاون أو اختيار المنافسة الشرسة أو احتمال المواجهة مع وجود وعي عند مهندسي السياسة الخارجية الأمريكية على استحالة إيجاد حلف منسجم لمواجهة بكين، بحيث سيبقى التنسيق أو التقارب بين بعض الفاعلين الأساسيين في هذا الملف والولايات المتحدة الأمريكية حبيسا لبعض القضايا الموضوعاتية.

الإدارة الأمريكية الحالية، وفي محاولة لجس نبض بكين، برمجت لقاء ثنائيا في 18 مارس 2021 بولاية ألاسكا. الوفد الأمريكي عرف تركيبة مختلفة عن ما هو متعارف عليه من قبل، بحيث ضم إلى جانب وزير الخارجية الأمريكي، مستشار الأمن القومي كمنسق بين مختلف المؤسسات الحكومية الأمريكية التي لها صلة بملف العلاقات الأمريكية الصينية. هذا اللقاء كان فرصة للحديث مباشرة إلى المهندس والمسؤول الحقيقي للسياسة الخارجية الصينية  يونغ جيش،  عضو المكتب السياسي والمسؤول عن لجنة العلاقات الخارجية للحزب الشيوعي الصيني.

تجب الإشارة هنا إلى أن هذا الاجتماع جاء في سياق خاص، أي مباشرة بعد القمة التي جمعت بايدن بكل من رؤساء اليابان والهند وأستراليا، وكذلك بعد زيارة وزير الخارجية بلينكين ووزير الدفاع أوستين إلى كل من اليابان وكوريا الجنوبية، ثم اتصال مستشار الأمن القومي الأمريكي سولي فان بزملائه في كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا.

فيما يخص الملف الرابع، الملاحظون يعتبرونه على رأس لائحة التعقيدات المطروحة في تدبير العلاقات الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، إنه الملف الإيراني؛ فمنذ 2010 طهران ركزت سياستها الخارجية على محورين أساسين: الأول يرتبط بالبرنامج النووي كورقة ضغط لكسب رهان المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها. أما المحور الثاني فيتعلق بالحضور القوي لإيران في الصراعات الإقليمية التي تتحكم في خريطة هندسة مسارها. وبالعودة إلى الملف النووي الإيراني، فقد تم بعد مفاوضات طويلة وشاقة التوقيع في يوليوز 2015 في فينا بالنمسا على اتفاق سمي آنذاك بـ5+1 أي أعضاء مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا، المفاجأة كانت هي خروج واشنطن من هذا الاتفاق بشكل أحادي في ماي 2018، مما شكل مفاجأة صادمة لحلفاء أمريكا لاسيما الاتحاد الأوربي. بعد ذلك، تغيرت منهجية إيران منذ ماي 2019 من خلال الهجوم على مجموعة من ناقلات النفط سواء في مياه الإمارات العربية المتحدة أو في بحر عمان ثم إسقاط طائرة الدرون الأمريكية، بل تضاعف التصعيد الإيراني في السنة نفسها عندما تعرضت المنشأة البترولية السعودية لهجوم بواسطة الصواريخ تبنته حركة الحوثين باليمن. طهران تنطلق من حجة التزامها بمضامين الاتفاق النووي ما بين 2016 و2018 بدليل أن عشرة تقارير للوكالة الدولية للطاقة النووية أكدت ذلك، إيران اعتقدت في البداية بأن الاتحاد الأوربي قادر على خلق نوع من التوازن لصالحها في صراعها مع الولايات الأمريكية، العكس هو الذي حصل بحيث استمر الحصار الاقتصادي على إيران؛ مما أدى إلى انهيار اقتصادي تام، فالناتج الداخلي الخام الإيراني انخفض بـ5.4% سنة 2018 وبـ7.6% سنة 2019، كما أن التضخم وصل إلى 31% سنة 2018 و41% سنة 2019 حسب تقارير صندوق النقد الدولي.

من هنا، يرى البعض أن العودة إلى طاولة المفاوضات حول اتفاق 2015 تعترضه مجموعة من الصعوبات؛ أهمها رفض القادة في طهران التفاوض من جديد على مضامين الاتفاق السابق، بالإضافة إلى رفضهم توقيف برنامج تطوير الصواريخ الباليستية، أو الانسحاب من سوريا أو توقيف دعم حلفائهم في المنطقة لا سيما حزب الله بلبنان وحركة الجهاد الإسلامي بفلسطين. لذلك، فالاتجاه المتشدد في إيران يعتقد بأن واشنطن لا تسعى إلى التفاوض مع طهران؛ بل تهدف إلى إضعافها لتقليص تأثيرها الجيو إقليمي، لاسيما بعد تقاربها مع كل من الصين وروسيا وتركيا.

من يتحكم في هندسة السياسة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس بايدن؟

قراءة متأنية في دواليب صناعة القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية الأمريكية تؤكد فرضية استمرار مقاربة الرئيس السابق أوباما في التعاطي مع القضايا الكونية على الأقل على المدى القريب.

ما يدعم هذا المعطى هو الطاقم القيادي الحالي المحيط بالرئيس بايدن، بدءا من كاتب الدولة في الخارجية أنطوني بلينكن 58 سنة، اشتغل بجانب بايدن يوم كان هذا الأخير نائبا للرئيس أوباما، ولندا طوماس غرينفليد  68سنة، ممثلة الولايات المتحدة الأمريكية بالأمم المتحدة، اشتغلت سفيرة لبلدها بليبيريا، تحملت بعد ذلك مسؤولية كاتبة الدولة مكلفة بالشؤون الإفريقية قبل أن يتم إبعادها من طرف ترامب سنة 2017، وجاك سيليفان 44 سنة، مستشار الأمن القومي اشتغل بجانب وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون،و جون كيري 77 سنة، مرشح سابق للانتخابات الرئاسية سنة 2004، كاتب دولة في الخارجية إبان حكم أوباما، المفاوض الرئيسي للاتفاق النووي مع إيران سنة 2015 ساهم بشكل فعال في إنجاح اتفاق باريس حول المناخ، وكاترين تي 47 سنة، من أصول تايوانية، ابنة مهاجر تتكلم بطلاقة اللغة الصينية، شاركت في المفاوضات التجارية مع الصين ما بين 2007 و2014، محامية مختصة في القضايا التجارية، وأفريل هيين51  سنة، مديرة الاستخبارات الوطنية، أول امرأة تصل إلى هذا الموقع في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، ووليام بورنس 64 سنة، مدير الجهاز المركزي للمخابرات الأمريكية CIA، سفير سابق للولايات المتحدة الأمريكية بروسيا، نائب كاتب الدولة في الخارجية سابقا ما بين 2008 و2011، مخضرم اشتغل في مراحل حكم الجمهوريين والديمقراطيين معا، وأوستين لوييدي 67 سنة، كاتب دولة في الدفاع، جنرال ينتمي إلى سلاح المشاة الأمريكي، أول أفرو أمريكي يصل إلى هذا الموقع، ما بين 2003 و2016 تحمل مسؤولية داخل القيادة المركزية للجيوش الأمريكية، ويندي شيرمان 71 سنة، نائبة كاتب الدولة في الخارجية أستاذة جامعية، ودبلوماسية سابقة كانت تنتمي إلى الفريق المفاوض مع إيران تحت إشراف جون كيري سنة 2015، ودوكلاس جونسون 66 سنة، مكلف بمهمة داخل منظمة الحلف الأطلسي، وفيكتوريا نيولاند 59 سنة، كانت مكلفة إبان فترة الرئيس أوباما بمتابعة الأزمة الأوكرانية كما تحملت مسؤولية ناطقة باسم وزارة الخارجية ومستشارة لهيلاري كلينتون، وسمانطا بوير 50 سنة، مديرة وكالة التعاون الأمريكية صحافية وممثلة سابقة للولايات المتحدة الأمريكية للأمم المتحدة إبان حكم أوباما، معروفة باهتمامها بقضايا حقوق الإنسان.

قراءة متأنية في مسارات الفريق المحيط بالرئيس بايدن تفسر التريث الحذر مع الخوف من مواقف أو خطوات قد تضعف انتخابيا التفوق النسبي والهش للديمقراطيين على حساب الجمهوريين، مما يقوي احتمال بقاء الرئيس الحالي ضمن التوجهات الكبرى التي حكمت مسار أوباما على مستوى السياسة الخارجية الأمريكية خلال ولايتين متتاليتين مع الحفاظ على بعض التوازنات لصالح الحلفاء الأساسيين للولايات المتحدة الأمريكية والتي أقرها ودعمها سلفه ترامب؛ ومن بينها قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية، حجتنا في ذلك هو أن الرئيس بايدن لم يعين إلى يومنا هذا سفراء في بعض الدول الحليفة.

hespress.com