في مقاله الجديد، يلفت عبد الكريم إبنوعتيق، وزير سابق وعضو مركز الدراسات الدبلوماسية والاستراتيجية بباريس، الانتباه إلى أن المتتبعين للشأن الأوروبي يدركون بأن القارة العجوز لم تعد تتمتع بالمكانة التي كانت عليها في السنوات العشرين الأخيرة، “فالدور الأوروبي تراجع في ملفات عديدة، لاسيما بعد بروز قوى أخرى لها وزن سياسي واقتصادي، بل هناك من يدعم هذا الطرح بالتأكيد على أن مساهمة دول الاتحاد الأوروبي في الناتج الداخلي الخام العالمي ستنتقل من 15% إلى 9% في أفق سنة 2050”.
ويؤكد إبتوعتيق على عدم إغفال كون مرحلة حكم ترامب أضعفت بروكسيل، “فالرئيس الأمريكي كان متحفظا من فلسفة الشراكة الأوروبية، دعم لندن خلال معركة البريكسيت، هي حالة استثنائية لم تسجل منذ ستين سنة من البناء الأوروبي”.
من هنا، يضيف الوزير السابق، طرحت تساؤلات عديدة للنقاش على المستوى الأوروبي، “فالجميع مقتنع بأن مشروع الشراكة يمر بمرحلة معقدة وصعبة في بعض الأحيان، أوروبا لها خصوم لكن حلفاءها دخلوا مرحلة إعادة قراءة حساباتهم، هناك نقاش ألماني فرنسي دائم حول الخطة التي يجب اتباعها للتفاعل مع هذه المستجدات، باريس تقترح نوعا من الاستقلالية الاستراتيجية للقارة الأوروبية، برلين متفقة على المستوى الاقتصادي، لكنها ترفض الذهاب إلى نوع من الاستقلالية على المستوى العسكري”.
في هذا المقال يحاول إبنوعتيق أن يمحّص أكثر في مسألة بحث الاتحاد الأوروبي عن غطاء عسكري مشترك.
وهذا نص المقال:
هناك إحساس لدى صناع القرار ببروكسيل بأن الولايات المتحدة الأمريكية تمر من مرحلة إعطاء أسبقية لما هو أمريكي على حساب التحالفات التقليدية والتاريخية، هذا الإحساس تحول إلى نوع من الخوف في أوساط الرأي العام الأوربي الذي بدأ يتوجس من أن يتحول الصراع الأمريكي الصيني إلى معركة مستقبلية على حساب الحلقة الأضعف أي أوربا، قناعة بدأت تتقوى لدى المتتبعين للشأن الأوربي، الذين يدركون بأن القارة العجوز لم تعد تتمتع بالمكانة التي كانت عليها في السنوات العشرين الأخيرة، فالدور الأوربي تراجع في ملفات عديدة لاسيما بعد بروز قوى أخرى لها وزن سياسي واقتصادي، بل هناك من يدعم هذا الطرح بالتأكيد على أن مساهمة دول الاتحاد الأوربي في الناتج الداخلي الخام العالمي ستنتقل من 15% إلى 9% في أفق سنة 2050.
يجب أن لا ننسى أن مرحلة حكم ترامب أضعفت بروكسيل، فالرئيس الأمريكي كان متحفظا من فلسفة الشراكة الأوربية، دعم لندن خلال معركة البريكسيت، هي حالة استثنائية لم تسجل منذ ستين سنة من البناء الأوربي، من هنا طرحت تساؤلات عديدة للنقاش على المستوى الأوربي، الجميع مقتنع بأن مشروع الشراكة يمر بمرحلة معقدة وصعبة في بعض الأحيان، أوربا لها خصوم لكن حلفاءها دخلوا مرحلة إعادة قراءة حساباتهم، هناك نقاش ألماني فرنسي دائم حول الخطة التي يجب اتباعها للتفاعل مع هذه المستجدات، باريس تقترح نوعا من الاستقلالية الاستراتيجية للقارة الأوربية، برلين متفقة على المستوى الاقتصادي لكنها ترفض الذهاب إلى نوع من الاستقلالية على المستوى العسكري.
يجب الاعتراف هنا بأن العديد من دول الاتحاد الأوربي قد تحفظت على الرئيس الفرنسي “ماكرون” الذي أكد في حوار مع جريدة “دوإيكونومست” The Economist الإنجليزية في ماي 2019، أن الحلف الأطلسي يجتاز فترة موت سريري، الجواب جاء على لسان وزيرة الدفاع الألمانية “أنكرينت كرامب” Annegret Kramp التي وصفت مفهوم السيادة الاستراتيجية بالوهم الدائم، فباريس تفكر في التحضير لمرحلة ما بعد الولايات المتحدة الأمريكية، في حالة ما إذا اتخذت واشنطن قرارا بعدم تأمين الدفاع العسكري عن أوربا، في مقابل ذلك برلين تعتبر أن تقوية الحضور داخل الحلف الأطلسي هو الذي سيجبر واشنطن على البقاء عسكريا ضمن المجال الأوربي، الاختلافات بين دول الاتحاد الأوربي تبقى متباينة، فالدول الداعية إلى تفعيل شراكة حقيقية في مجال الدفاع والأمن قصد بناء سيادة استراتيجية أوربية مستقلة تتزعمها فرنسا، في حين تقود ألمانيا جبهة الدول الأوربية المتحفظة على سياسة دفاعية مشتركة، ومع ذلك فالنقاش لازال حاضرا بقوة، مما يطرح على المهتمين بالشأن الأوربي سؤالا أساسيا، كيف يمكن للاتحاد أن يتحرك كفاعل استراتيجي له استقلالية اتخاذ القرارات الحساسة دون الحاجة إلى غطاء الحلفاء الكبار؟
يجب التذكير بأن الميزانيات المخصصة للدفاع في كل دول الاتحاد الأوربي تصل إلى 240 مليار أورو، متجاوزة بقليل ما تخصصه الصين لجيوشها والذي يصل إلى 207 مليار أورو سنويا، أما ميزانية الدفاع في الولايات المتحدة الأمريكية فهي تتجاوز 698 مليار دولار، عدد القوات العسكرية في دول الاتحاد الأوربي تصل إلى 1.5 مليون جندي، لكن بروكسيل تبقى عاجزة عن توظيف جنودها ميدانيا، فأهل الاختصاص يؤكدون أنه في الحالات القصوى لا يمكن للاتحاد الأوربي أن يعبئ أكثر من 5000 جندي، نظرا لغياب الآليات التنسيقية الدائمة والجماعية القادرة على خلق نوع السرعة في الانتشار والتحكم في مسرح العمليات، بالإضافة إلى الخصاص في العديد من المجالات، مثل الأقمار الاصطناعية ذات الأغراض العسكرية، ثم قلة الطائرات بدون طيار، بالإضافة إلى النقص الملاحظ في الطائرات المختصة بتزويد المقاتلات الحربية جوا أثناء المعارك العسكرية، من هنا ظهرت تخوفات جدية في أوساط بعض السياسيين الأوربيين، لاسيما وأن الأزمات تزايدت في العشر سنوات الأخيرة، فمن جورجيا إلى ليبيا مرورا بمالي ثم سوريا وأوكرانيا، مما أعاد إلى الأذهان إشكالية البحث عن مشروع مشترك لسياسة دفاعية أوربية قادرة على منح نوع من هامش التحرك لبروكسيل، خلال المفاوضات حول الحلول الممكنة لبعض التوترات الكونية.
لهذا الغرض تم إعطاء مضمون جديد للمقاربة الأوربية التي يطلق عليها سياسة الأمن والدفاع المشتركة La Politique de sécurité et de défense commune (PSDC)، بحيث عرفت خلال سنة 2018 تحولا في المضمون وكذلك السرعة في تناول الملفات، أولى المبادرات العملية في هذا المجال هو خلق صندوق خاص لقضايا الدفاع المشترك Fonds européen de la défense FED، بعد ذلك تم تشكيل هيئة للتعاون الدائم المهيكل، ثم جاءت المبادرة الأوربية للتدخل L’Initiative européenne d’intervention.
يجب التأكيد هنا أن أعضاء الاتحاد التزموا جميعا بضخ 13 مليار أورو ما بين 2021 و2027 في الصندوق المذكور سالفا، هذا المعطى المالي الجديد سيغير من طبيعة اتخاذ القرار داخل الاتحاد الأوربي، ذلك أن هذا الملف ذو الحساسية العالية لن يبقى رهين القرار السياسي لوحده، بل سيتحول إلى منظومة يومية من اختصاص المفوضية الأوربية، مما قد يعجل بتطوير وتحديث القطاعات الصناعية العسكرية بدول الاتحاد الأوربي، أضف إلى هذا نقاش آخر طرح في الأيام الأخيرة بعد اتفاق البريكسيت، والمتمثل في قناعة كل المتتبعين لملف الشراكة حول القضايا العسكرية، على ضرورة أن تبقى بريطانيا طرفا أساسيا في المشاريع المستقبلية الكبرى نظرا لوزنها الصناعي والعسكري.
الحلف الأطلسي والمظلة الأمريكية
جل الرؤساء الذين تعاقبوا على الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية كانت لهم مؤاخذات على تواضع مساهمة الحلفاء داخل منظمة الحلف الأطلسي، فالرئيس الأمريكي “إيزنهاور” الذي تقلد مسؤولية رئاسة الحلف الأطلسي إبان مرحلة التأسيس قبل أن ينتخب رئيسا لأمريكا، عبر عن امتعاضه من الموقف الفرنسي آنذاك تجاه تمويل الحلف، بعده الرئيس “جون كينيدي” الذي أكد صراحة بأن الأوربيين يعيشون على حساب الولايات المتحدة الأمريكية.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، ففي سنة 1960 الرئيس الأمريكي “ليندن جونسون” مارس ضغطا كبيرا على مستشار ألمانيا الغربية “لودوينغ إيهارد” مهددا بمغادرة القوات الأمريكية لألمانيا، الرئيس “نيكسون” اشتكى من ثقل الأعباء المالية لمنظمة الحلف الأطلسي والتي تتحملها واشنطن لوحدها، في سنة 1974 الرئيس “فورد” فوجئ بموقف بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي والذين طرحوا سؤالا مخيفا زعزع أوساط الرأي العام الأمريكي، والمتمثل في ما جدوى الاستمرار في الحلف الأطلسي، الرئيس “ريغان” رغم أنه كان مسكونا بمواجهة ما كان يطلق عليه بالأنظمة الشمولية، سجل أمام أعضاء مجلس الأمن القومي الأمريكي عدم التزام الحلفاء الأوربيين بتأدية المساهمات المادية داخل منظمة الحلف الأطلسي، في تلك الفترة الولايات المتحدة الأمريكية كانت تتحمل لوحدها 75% من ميزانيات الدفاع الخاصة بالحلف.
وفي سنة 1989 اللجنة البرلمانية الخاصة بالقوات الأمريكية أحدثت لجنة مصغرة للتفكير في كيفية تقسيم تكاليف ميزانية الدفاع بين أعضاء الحلف، بموازاة ذلك مجلس الشيوخ طالب من “ريغان” تعيين مبعوث خاص، من مهامه إعادة هيكلة الحلف الأطلسي والتفاوض مع كل الأعضاء على شروط مالية تقلل من ثقل تحمل واشنطن لوحدها مسؤولية الميزانية.
يجب التذكير هنا بأن مجموعة استطلاعات الرأي في العقود الأخيرة أظهرت عدم تحمس جزء كبير من الأمريكيين لتفعيل البند الخامس من ميثاق الحلف الأطلسي، الذي يقضي بتوفير الدعم العسكري لكل عضو في الحلف تعرض لهجوم من طرف بلد خارج منظومة الحلف، هذه القناعة دافع عنها بإصرار الرئيس الأمريكي “ترامب” المنتهية ولايته.
مبادرات فرنسية لتشجيع الشراكة الأوربية
فرنسا دخلت منذ مدة بعد حروبها في أفغانستان وإفريقيا في مرحلة إعادة بناء جيوشها لكن بنظرة مغايرة للإصلاحات السابقة، فبعد برنامج “SCORPION” الذي كان الهدف منه هو تعويض الأسلحة الميدانية التي استعملت في الحروب الأخيرة، فإن برنامج “Titan” له رؤية بعيدة المدى في أفق 2040 وهو التخلص النهائي من دبابات لوكلير مع استعمال الإنسان الآلي، ثم إعادة تقييم جذري لدور المدفعية والشروع في تبني أساليب جديدة للقيادة ثم إحداث تغييرات جوهرية في ما يخص القوات الجوية انطلاقا من المرجعية الجديدة المسماة SCAF Le système de combat aérien du futur (SCAF).
هذا الأخير من أهدافه المسطرة إعادة تحديث أسطول طائرات الرفال وتعويض حاملة الطائرات “شارل دغول”، ثم تجديد الغواصات المجهزة بالأسلحة النووية، تبني البرنامج الأوروبي للتعاون القاضي بتحديث البوارج الحربية، إعطاء نفس للتعاون المشترك مع ألمانيا فيما يخص مشروع المدفعية إلكترومانيتيك الذي سيحدث حسب المختصين ثورة في المعارك البرية والبحرية.
يجب الإشارة هنا إلى أن إعادة هيكلة الجيوش الفرنسية في أفق سنة 2030 و2040 و2050 يطرح إشكالية توفير الميزانيات في ظل ظروف اقتصادية صعبة، ما يؤكد هذا هو التقرير الصادر عن المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، هذا الأخير اشتغل على دراسة بطلب من قيادة الجيوش الفرنسية، والتي توقفت عند بعض مكامن الخلل، كتلك المتعلقة بجزء من القواعد البحرية ذات المهام الاستراتيجة التي عانت في السنوات الأخيرة من نقص بشري كبير، زد على هذا أن فرنسا منذ سنوات فقدت جزءا كبيرا من الصناعات المرتبطة بالأسلحة الخفيفة، مما يجعلها سجينة الأسواق الخارجية، كما أن بعض الأسلحة الاستراتيجية مثل “الصواريخ المبرمجة” التي يتطلب تصنيعها استعمال بعض المواد المستوردة من الولايات المتحدة الأمريكية، مما يطرح إشكالية الاستقلالية في التعامل مع الأسواق الخارجية.
تجلى هذا بوضوح عندما رفضت واشنطن بيع باريس لمصر مثل هذه الأسلحة، مما أعاد إلى الواجهة النقاش حول التبعية الفرنسية للأسواق العالمية فيما يخص التزود ببعض التقنيات الدقيقة، الطمأنة جاءت من أوساط صناع القرار، عندما أكدوا أن هناك نوعين من الحاجيات، النوع الأول المرتبط بالمجال النووي والفضائي وبآليات التنقل الميداني وبالصواريخ الخاصة بالمدفعية وبالطائرات الحربية والبواخر والغواصات.
كل هذه الأسلحة لا تحتاج باريس لإنتاجها أية تبعية للأجنبي، أما الصنف الثاني من الحاجيات فهو رهين بنوع من التبعية تدخل في مجملها في إطار الشراكة الأوربية، مثل طائرات الهيليكوبتير “بوما” “PUMA” أو “غازيل” “La Gazelle” أو “لانكس” “Lynx” أو طائرة “جاكوار” “Jaguar”، التي تم تصنيعها بشراكة مع بريطانيا، هذا إلى جانب تطوير بعض الصواريخ مثل “رولان” “Roland ” و”ميلان” “Milan”، بتعاون مع ألمانيا، هذه الأخيرة تشتغل مع فرنسا حول طائرتي الهيلكوبتر “Caïman” و”Tigre”، وعلى طائرة نقل الجيوش والعتاد A400M ثم طائرة A330MRTT الخاصة بتزويد الطائرات الحربية بالوقود جوا.
من سيتحكم في الفضاء؟
في يوليوز 2019 تم الإعلان في فرنسا عن استراتيجية جديدة أطلق عليها إستراتيجية الفضاء الخاص بالدفاع Stratégie Spatiale de défense، من بين مستجداتها هو خلق قيادة خاصة لمتابعة التدبير العسكري للفضاء تحت إشراف قيادة الجيوش الجوية، باريس ومعها بعض الدول الأوربية غير مطمئنة على التقدم الحاصل في هذا المجال من طرف دول عديدة منها الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا والهند، هذه الدول بادرت إلى تجريب وإطلاق صواريخ مضادة للأقمار الاصطناعية من مواقع أرضية أو عبر بواخر في عمق المياه الدولية، التخوف الفرنسي ينطلق من تقارير رفعت إلى المسؤولين مفادها هو أنه في سنوات 2012 و2013 و2015 و2017، أقمار اصطناعية مجهولة اقتربت من الأقمار الاصطناعية الفرنسية ذات المهام المدنية.
لم يستطع الخبراء الفرنسيون تحديد سوى هوية القمر الاصطناعي المسمى “lush-olymp” كما جاء على لسان وزيرة الدفاع الفرنسية “فلورنس باريلي” Florence Parly سنة 2018، القيادة الجديدة للفضاء العسكري تعززت بتوظيف 500 مستخدم وإطار، من مهامها الرئيسية متابعة مختلف الأقمار الاصطناعية الفرنسية لاسيما المتخصصة في المجالات ذات الصبغة الاستثنائية، مثل القمر الاصطناعي “إليوس 2” “Helios 2” والقمر الاصطناعي “CSO/1” المعروفين بحضورهما القوي في مجال المراقبة وجمع المعلومات ذات الصبغة العسكرية، مهمة القطاع الجديد كذلك هو الاشتغال على التفكير في المساهمة في إنتاج الأقمار الاصطناعية القادرة على توفير الحماية للأقمار الأخرى المكلفة بالمهام الحساسة.
هل تملك أوربا إمكانية خلق صناعة عسكرية؟
الإجابة عن هذا السؤال تقتضي الوقوف عند بعض الشركات الكبرى لاسيما في المجال الجوي العسكري الذي سيحتل حسب المختصين مكانة رئيسية في الحروب المستقبلية، فبالإضافة إلى دول تنتمي إلى نادي الكبار في هذا المجال مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وفرنسا والصين، هناك كذلك بريطانيا التي غادرت سفينة الاتحاد الأوربي مؤخرا.
فمن أكبر الفاعلين على المستوى الصناعي في المجال الجوي العسكري نجد شركة British Aerospase Systems، ثالث شركة في هذا المجال وراء الشركات الأمريكية “لوكريد مارتان” Lockheed Martin و”رايتون” “Raytheon”، لها أنشطة إنتاجية في مجالات متعددة برية وبحرية، من بين فروعها الأساسية نجد فرع “MAI” الذي ينتج مجموعة من الطائرات منها Eurofighter typhoon التي يتم تصنيعها بتعاون مع ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، أول طائرات من هذا النوع تم تسليمها سنة 2004، لدول عديدة منها النمسا وسلطنة عمان والكويت والعربية السعودية وقطر، 624 طلب جديد لدى الشركة البريطانية من دول مختلفة.
ومعلوم أن هذه الأخيرة تساهم في البرنامج الصناعي للطائرة الأميركية ف 35، بموازاة ذلك الشركة البريطانية تعمل على إنتاج الجيل الخامس من الطائرات الحربية، هذه الأخيرة يتوقع تصنيعها في أفق 2035، شركة “MAI” أنتجت في سنوات السبعينات الطائرة الحربية “الطورنادو” “Tornado”، نفس الشركة قامت بتصنيع الطائرة “أريي” “Harrier” في الستينات من القرن الماضي ثم طائرة التداريب “أواك 128” “Hawk128”.
هناك شركة أخرى بريطانية متخصصة في مجال محركات الطائرات والبواخر هي شركة “رويسرويس” التي تعتبر رائدة في هذا المجال إلى جانب الشركات الأمريكية “جينرال إليكتريك” و”بات وتني” والشركة الفرنسية “سافران”، ثم شركة “GKN” المعروفة بتواجدها في قطاع صناعة الطيران العسكري البريطاني، لها فروع في الولايات المتحدة الأمريكية، ساهمت في مشاريع تصنيع طائرات عسكرية وتجارية متعددة منها بوينغ 787 وإيرباص 400M وف 35، شركة “كوب هام” “Cobham” المختصة في إنتاج طائرات تزويد المقاتلات بالوقود جوا، تشغل أكثر من 10 آلاف مستخدم نصفهم في الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا تتوفر كذلك على شركات متوسطة وصغرى لها باع طويل في صيانة الطائرات.
مجموعة داسو الفرنسية “Dassault” التي تأسست منذ 1929 من طرف “مارسيل بلوك” Marcel Bloch”، لكن جذورها تعود إلى مرحلة نهاية الحرب العالمية الأولى، ففي سنة 1918 تم خلق شركة الدراسات في مجال الطيران “S E A” التي ساهمت في تصنيع طائرة lV/ S E A اقتنى منها الجيش الفرنسي آنذاك 300 وحدة، بداية 1930 أنتجت هذه الشركة مجموعة من الطائرات مثل MB60 وMB210 وMB160 وMB152.
سنة 1947 تغير اسم الشركة وأصبحت تسمى شركة الطيران “مارسيل داسو”، في نفس السنة قامت الشركة بتصنيع طائرة النقل MD315 فلامان لصالح الجيش الفرنسي، وفي سنة 1951 أخرجت الشركة للوجود طائرة MD450 أورغان، التي مهدت الطريق لطائرة “ميستير إي طوندار”، بفضلها دخلت داسو الفرنسية إلى الأسواق الدولية بمبيعات مهمة لإسرائيل والهند، بعد ذلك جاء برنامج طائرات ميراج ف 1 التي تستعمل من طرف العديد من القوات الجوية في العالم، استمرت الشركة في تطوير إنتاجاتها إلى أن ظهرت في التسعينات طائرة رفال C01 وطائرة رفال M01 ثم ميراج 2000-5، ومعلوم أن شركة داسو هي ثاني شركة أوربية في مجال تصنيع الطائرات الحربية، استطاعت بيع 470 ميراج 2000، أما طائرة رفال فقد اقتنت منها القوات الجوية الفرنسية 147 طائرة من مجموع 199 موجودة في أنحاء المعمور.
شركات “ليوناردو” “Leonardo” الإيطالية المختصة في طائرة هلوكتبر وبعض الصناعات الحربية الأخرى، تشغل أكثر من 47 ألف مستخدم موزعين على دول عديدة، هي ثامن شركة على المستوى العالمي في هذا الاختصاص، شركات أخرى أقل أهمية مثل “أفيو” “Avio” التي تملكها شركة “فياط” قبل بيعها لإحدى الصناديق الاستثمارية الأوربية.
أما بالنسبة لألمانيا فقطاع الصناعات العسكرية الجوية محدود بالمقارنة مع دول أوربية أخرى، برلين حاضرة بقوة في مشاريع “إيرباص” المدنية والعسكرية، من بين المؤسسات الألمانية نجد شركة “MTU”، تشغل أكثر من 8 آلاف إطار ومستخدم، لها شراكات عديدة مع المقاولات البريطانية.
الشركة “SAB” السويدية المعروفة بإنتاج الطائرة “غريبين” “Gripen” الحربية والتي تنتمي إلى الجيل الرابع، تم تصديرها لبعض الدول مثل هنغاريا وإفريقيا الجنوبية والتايلاند والبرازيل، تنتج كذلك طائرة الأواكس “Global Eye” ثم طائرة مراقبة المياه البحرية “Swordfish”، لها أيضا قطاع لصناعة الطائرات بدون طيار، من بين إنتاجاتها في هذا المجال “Skeldar”، بالإضافة إلى تخصصها في مجال الردارات والمراقبة الجوية.
شركة “كازا” الإسبانية التي اندمجت في مجموعة إيرباص قطاع الدفاع، تنتج طائرة “كازا” الصغيرة المتخصصة في النقل العسكري، ثم شركة “إيندرا” “INDRA” المهتمة بمجال المعلوميات العسكرية، اختارتها الحكومة الإسبانية للتنسيق بين مجموع الشركات المتخصصة في الصناعات العسكرية، قصد المساهمة في مشروع “سكاف” الأوربي الذي تقوده كل من شركة داسو وإيرباص وسافران وإمتي، ويجب التذكير هنا أن فرنسا وبريطانيا على رأس الدول الأوربية التي تملك صناعة قوية في مجال الطيران العسكري.
الجيل الخامس من الطائرات الحربية
إذا كانت بعض دول الاتحاد الأوربي تسعى جاهدة لكي تبقى حاضرة في مجال صناعة الطائرات الحربية، فإن روسيا والصين لا رغبة لهما في ترك المجال فارغا للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوربيين، من هنا فإن السباق نحو التحكم في التفوق التكنولوجي هو اللغة السائدة اليوم.
الأمريكيون يسيطرون على مجال إنتاج الجيل الخامس من الطائرات الحربية، فالطائرة F35PW-100 المجهزة بصاروخين جو /جو “AMRAAM” وبقنبلتين GBU_31، المتحكم فيهما عن بعد بواسطة GPS- JDAM، و التي اقتنت منها القوات الأمريكية أعدادا كبيرة، ربانها تحول مع الجيل الجديد من هذه الطائرات إلى منسق تكنولوجي بدقة عالية، كل مسرح العمليات يتم مسحه بسرعة متناهية، قادرة على اعتراض الصواريخ الباليستية أو الأجهزة المضادة للطائرات، كل مجريات المعركة بما فيها المخاطر المحتملة يتوصل بها الطيار عبر خوذته HMD، بحيث لم يعد في حاجة إلى لوحة القيادة Tableau de bord.
بالنسبة لطائرة ف 35 الاتصال الوحيد يتم عبر قناة رقمية مؤمنة غير متاحة للجميع، تخضع لبروتوكول خاص بالدول المنضوية تحت لواء الحلف الأطلسي وحلفائهم، هي وسيلة سياسية لواشنطن لمنع الحلفاء من اقتناء أسلحة روسية أو صينية، مثل ما وقع لتركيا عندما اشترت صواريخ S400 الروسية، فتم إبعادها من البرنامج الأمريكي الخاص ببيع طائرات ف 35.
مجموعة من دول الاتحاد الأوروبي برمجت شراء هذا النوع من الطائرات مقتنعة بعدم قدرتها على منافسة الولايات المتحدة الأمريكية، هكذا فبريطانيا برمجت اقتناء 138 طائرة من هذا الجيل قبل خروجها من البريكسيت، وكذلك إيطاليا 90 طائرة، وهولاندا 46 طائرة، والدانمارك 27 طائرة، والنورويج 57طائرة، وبلجيكا 34 طائرة، وبولونيا 32 طائرة، وخارج مجال الاتحاد الأوربي إسرائيل برمجت شراء 50 طائرة من هذا النوع، وأستراليا 100 طائرة، واليابان 147 طائرة.
ما بين الجيل الخامس وطائرات الدرون أوروبا منقسمة
في سنة 2020 لاحظ الأوربيون في دراسات متعددة، أن أكثر من 100 دولة تستعمل الطائرات بدون طيار لأغراض عسكرية، الولايات المتحدة الأمريكية والصين وإسرائيل على رأس الدول المتحكمة في هذه التكنولوجيا، خلال الحروب الأخيرة اقتنعت القيادات السياسية والعسكرية الأوربية على ضرورة التوفر على أدوات جديدة قصد التحكم في تعقيدات المواجهات العسكرية المستقبلية.
ما بين 2003 و2020 محاولات أوربية عديدة قصد التموقع في هذا المجال لكنها تبقى متعثرة، 15 سنة من النقاشات السياسية والتكنولوجية بدون جدوى، فرنسا اختارت منذ سنة 2013 شراء الدرون الأمريكية REAPER، دول أخرى أوربية سارت على منوال باريس، لكن آخرين فضلوا الصناعة الإسرائيلية في هذا المجال، هكذا فإن إيطاليا وبلجيكا وهولاندا وبريطانيا قبل البريكسيت اختارت الدرون الأمريكية، في حين أن ألمانيا اختارت المنتوج الإسرائيلي HERON TP، أما إسبانيا فقد اشترت الدرون الأمريكية Predator B.
يجب الإشارة إلى أن القوات الجوية الفرنسية اقتنت مؤخرا من شركة أمريكية درون Reaper Block 5، التي يمكن تجهيزها بالقنابل GBU- 49 المسيرة عن بعد، بالإضافة إلى توفرها على تجهيزات يسمح لها بالتوصل بمعطيات ميدانية بالغة الأهمية وبدقة عالية، في 2015 وزراء الدفاع في فرنسا وألمانيا وإيطاليا قبل أن تلتحق بهم إسبانيا سنة 2018، وقعوا اتفاقا لإحياء المشروع الأوربي المشترك لإنتاج الدرون والمسمى MALE.
بمجرد وصول الرئيس “بايدن” للحكم بادر الاتحاد الأوربي إلى طرح فكرة ميثاق تأسيسي جديد للعلاقات بين بروكسيل وواشنطن، أغلبية دول الاتحاد مقتنعة بضرورة الاستمرار في تقوية العلاقات الاستراتيجية مع الولايات الأمريكية، إلا أن خلافات جوهرية لازالت قائمة تحول دون صياغة رؤية أوربية موحدة في هذا المجال، نقاش صعب ينتظر قادة الاتحاد الأوربي بعد جائحة كورونا لإيجاد توافقات حول القضايا الكبرى التي تهدد تماسك المشروع الوحدوي الأوربي، ومن بينها إيجاد آليات لسياسة دفاعية مشتركة.