بعد أن ظل ملف الأطفال المغاربة القاصرين غير المصحوبين في أوروبا، خاصة إسبانيا وفرنسا، مطروحا على طاولة المشاورات بين المغرب وشركائه الأوروبيين، عجّلت الأزمة السياسية القائمة بين المملكة وجارتها الإيبيرية بتسوية هذا الملف، بعد قرار الملك محمد السادس إعادة القاصرين المغاربة من أوروبا إلى بلدهم الأصلي.
وفيما يجري التحضير لبدء عملية الترحيل، لا يُعرف ما إن كان الأطفال القاصرون المزمع إرجاعهم إلى المغرب، وهم الطرف المعني بهذه العملية، يفضلون العودة أم البقاء في البلدان التي هاجروا إليها بطريقة غير شرعية.
ويظهر من خلال التفاعلات التي أعقبت اقتحام آلاف المهاجرين لمدينة سبتة المحتلة، وما تبعها من اشتداد التوتر في العلاقات المغربية الإسبانية، أن إقناع المهاجرين القاصرين بالعودة إلى وطنهم الأم لن يكون مسألة سهلة، إذ لجأ مئات المهاجرين المغاربة بسبتة إلى تقديم طلبات اللجوء إلى السلطات الإسبانية، خشية ترحيلهم إلى المغرب.
هذا المعطى يرجحه رشيد المناصفي، باحث مهتم بقضايا الهجرة والمهاجرين مقيم بالسويد، إذ استبعد أن يقبل القاصرون المغاربة، الذين هاجروا بطريقة غير شرعية إلى الديار الأوروبية، العودة إلى المغرب، معتبرا أن عدم قبولهم بالعودة مسألة بديهية، “لأنهم في الأصل هاجروا لأنهم يجدوا في بلدهم الأصلي ما يُبقيهم فيه”.
وفيما ينسّق المغرب مع الدول الأوروبية، خاصة فرنسا، لترتيب إعادة قاصريه، أوضح المناصفي، في تصريح لهسبريس، أن هذه العملية ليست سهلة، لأن أغلبية الأطفال القاصرين يُخفون هويتهم الحقيقية، ويقدمون للشرطة عند توقيفهم معلومات شخصية غير صحيحة، مما يعقّد عملية إعادتهم إلى المغرب.
وكان التنسيق بين المغرب وفرنسا لإعادة القاصرين المغاربة قد بلغ مراحل متقدمة منذ أواخر السنة المنصرمة، حيث طالبت فرنسا المصالح القضائية والأمنية المغربية بالحصول على معلومات بشأن هؤلاء الأطفال من أجل اتخاذ خطوات عملية لتسهيل عودتهم إلى المغرب، وجاءت الأحداث الأخيرة التي شهدتها سبتة المحتلة لتعجّل بتنفيذ عملية إعادتهم من جميع الدول الأوروبية.
وأصدر الملك محمد السادس، يوم فاتح يونيو الجاري، قرارا بإعادة جميع القاصرين المغاربة غير المصحوبين بذويهم بدول الاتحاد الأوروبي إلى المغرب، وأعطى تعليماته إلى وزارتي الداخلية والخارجية لتسوية وضعيتهم.
وأوضح المناصفي أنه من الناحية القانونية يحق لأي دولة أن تُعيد المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدانهم الأصلية، التي تجمعها بها اتفاقيات تعاون في هذا المجال، لكنّ العائق الذي سيحول دون إعادة القاصرين المغاربة، يستدرك المتحدث ذاته، هو صعوبة التأكد من هويتهم الحقيقية.
واستطرد المناصفي قائلا إن ما يعقّد عملية إرجاع القاصرين المغاربة هو أنهم قبل أن يهاجروا يتلقّون “نصائح” ممّن سبقوهم لخوض غمار الهجرة، إما بشكل مباشر أو عن طريق الفيديوهات المبثوثة في منصات التواصل الاجتماعي، حول كيفية التعامل مع سلطات البلد المضيف بخصوص إخفاء الهوية تجنبا للترحيل إلى المغرب.
وتابع المناصفي متسائلا: “المغرب يريد أن يعيد أطفاله القاصرين من أوروبا، لكن ماذا وفّر لهم؟”، قبل أن يضيف “لقد فرّوا لأنهم كانوا يرون جميع الأبواب مسدودة، وبسبب الصورة المزيفة التي يرسمها بعض المهاجرين عن أوروبا عندما يعودون إلى المغرب، حيث يتباهون بالسيارات وغيرها من الأشياء، حتى وإن كانوا يعيشون وضعا اجتماعيا سيئا في بلدان الاستقبال، مما يجعل الشباب والمراهقين يحلمون بأن يكونوا مثلهم”.