يسمع المغاربة بين الفينة والأخرى خبر إعفاء مسؤول ما من منصبه بسبب اختلالات مالية أو تدبيرية ونحوهما، لكن هذه الإعفاءات في كثير من الحالات لا تليها إحالة المسؤول المعني على القضاء من أجل النظر فيما نُسب إليه من اتهامات لتثبيتها عليه أو تبرئته منها.
آخر الإعفاءات التي سجلت في المملكة طالت مديريْن إقليميين بوزارة التربية الوطنية، أحدهما تم إعفاؤه بعد نبش مفتشية الشؤون الإدارية للوزارة في ملفات، وتبين لها أنها عرفت مجموعة من الاختلالات، دون معرفة ما إن كان قرار الإعفاء ستليه المحاسبة أم لا.
وعموما، فإنّ إعفاءات كثيرة طالت عددا من المسؤولين “الكبار”، منهم وزراء، دون أن يخضعوا للمحاسبة، حيث أعفي أكثر من وزير خلال الولايتين الحكوميتين الأخيرتين، منهم من تم إعفاؤه بسبب “اختلالات” كشفها المجلس الأعلى للحسابات، دون أن يظهر لاحقا ما يفيد بمحاسبتهم، كما هو الحال بالنسبة للوزراء الذين أعفوا بسبب اختلالات في مشروع الحسيمة منارة المتوسط.
وربط دستور 2011 لأول مرة المسؤولية بالمحاسبة، لكن عدم الحزم في تفعيل هذا المبدأ “يجعل المسؤولين في القطاعات العمومية المختلفة يشعرون بأن أقصى عقاب يمكن أن يطالهم، إن هم أتوْا ممارسات خارج القانون مثل اختلاس وتبذير المال العام، هو الإعفاء. ولذلك يجتهد بعضهم صباح مساء في الحصول على مكاسب غير مشروعة”، يقول محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام.
ويرى الغلوسي أن المسؤولين الذين تُسجَّل عليهم اختلالات غالبا ما يتم الاكتفاء بإعفائهم من مسؤولياتهم، وإلحاقهم بالإدارة المركزية، أو “الگاراج”، كما هو متداول في أوساط صانعي القرارات، ويستمرون في تلقي أجورهم، مضيفا، في تصريح لهسبريس، أن “ذلك يشجع على مزيد من الفساد والإفلات من العقاب”.
وتُلزم المقتضيات الدستورية، كما هو منصوص عليه في الفصل 158، كل شخص، منتخبا كان أو معيّنا، يمارس مسؤولية عمومية، أن يقدم، طبقا للكيفيات المحددة في القانون، تصريحا كتابيا بالممتلكات والأصول التي في حيازته، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، بمجرد تسلمه مهامه، وخلال ممارستها وعند انتهائها.
وبالرغم من تنصيص الدستور على ربط المسؤولية بالمحاسبة، فإن تفعيل هذا المبدأ على أرض الواقع يلاقي مقاومة شديدة، وهو ما يتجلى في عجز البرلمان عن المصادقة على مشروع مجموعة القانون الجنائي، الذي يراوح مكانه منذ أكثر من أربع سنوات في لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب.
وأوضح الغلوسي أن الاختلالات التي تكتسي طابعا إداريا تقتضي إحالة المسؤولين المعنيين على المجالس التأديبية، “ولكن المسؤولين الذين يتورطون في قضايا ذات طابع جنائي، مثل الفساد المالي والرشوة والممارسات المنافية للقانون، ينبغي إحالتهم على القضاء في إطار مبدأ سواسية جميع المواطنين أمام القانون، وليكونوا عبْرة لباقي المسؤولين، يضيف رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام.
وبخصوص الأسباب التي تحول دون تقديم المسؤولين المتورطين في القضايا الموجبة للمحاسبة، يرى الغلوسي أن هذه الممارسات غالبا ما تتم “في إطار مسؤوليات مشتركة، وفي أغلب الأحيان يتم الاكتفاء بتقديم أكباش فداء حتى لا تمضي المحاسبة إلى نهايتها ويُكشف جميع المتورطين”.
السبب الثاني الذي يعيق التفعيل الأمثل لمبدأ المحاسبة، يقول الغلوسي، يتعلق بوجود “شعور عام بكون العدالة لا يمكن أن تأخذ مجراها الطبيعي لأن هناك بيئة حاضنة للفساد”، مضيفا أن سيادة هذا الشعور “تُضعف القانون والعدالة، وتُشكّل مبررا لاستمرار الفساد”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن هناك سببا آخر يتعلق بالاعتقاد بأن محاسبة المسؤولين وتقديمهم أمام القضاء، إن اقتضى الحال، ستمس بهيبة الدولة والمؤسسات أمام الرأي العام، موضحا أن الغاية من هذا المبرر “هي تزكية استمرار الفساد، لأن كشف مكامن الفساد وتقديم المتورطين فيه أمام القضاء لا يضعف المؤسسات، بل يقوّيها ويعزز مصداقيتها”.