اعتراف فجائي لكل من برلين وباريس بالمسؤولية عما وصفتاه بـ”الإبادة الجماعية” في رواندا وناميبيا، يضع مدريد تحت ضغط المنتظم الدولي بشأن جرائم “المملكة الإيبيرية” في منطقة الريف، التي راحَ أبناؤها ضحية السلاح الكيماوي الذي وظفه الجيش الإسباني لقمع المتمردين المغاربة.
والتقى الرئيس الفرنسي بنظيره الرواندي، بحر الأسبوع الماضي، من أجل الاعتراف بمسؤولية باريس في المجازر التي سقط فيها قرابة 800 ألف قتيل، سعياً من “عاصمة الأنوار” إلى تطبيع العلاقات السياسية مع البلد الإفريقي بعد توتر استمرّ أكثر من 25 سنة.
فيما اعترفت ألمانيا بارتكاب جرائم “الإبادة الجماعية” في حق الناميبيين خلال الفترة الاستعمارية قبل أزيد من قرن من الزمن، لتتعهّد بتقديم مساعدات مالية طارئة من شأنها “تعويض” الأضرار من الناحية الرمزية، مؤكدة التزامها الأخلاقي من أجل تجاوز عملية الإبادة الجماعية.
وامتدت حرب الريف الكيماوية من 1921 إلى 1926، وقادتها إسبانيا بمعية حلفائها الأوروبيين، بغية سحق الانتفاضة الشعبية التي قادها عبد الكريم الخطابي، حيث استعملت المملكة الإيبيرية مجموعة من الأسلحة الكيماوية المحظورة دوليا، التي تسلّمتها من طرف ألمانيا، بعد تعرضها لهزائم متتالية من طرف المقاومة الريفية.
وتربطُ مجموعة من الفعاليات الحقوقية انتشار السرطان في الريف بالآثار المحتملة للسلاح الكيماوي المستعمل خلال الحرب سالفة الذكر، ما جعل حكومة الجارة الشمالية تناقش إمكانية منح تعويض مالي لصالح المنطقة، لكن المحادثات بقيت حبيسة البرلمان الإسباني في العشرية الأخيرة.
ويحقّ للمغرب طرح ملف الحرب الكيماوية على المستوى الدولي مع إسبانيا، وفق الخبراء القانونيين، لأن الأمر يتعلق بمواطنين مغاربة راحوا ضحية جرائم حرب لا تتقادم بمرور الزمن، وهو ما يكفله القانون الدولي العام الذي يطرح إمكانيات تسوية تلك الجرائم الدولية، التي يتم توجيهها إلى محكمة العدل الدولية في حال عدم التوصل إلى اتفاق بالتراضي.
وبالنسبة إلى محمد الغلبزوري، مؤلّف كتاب “إشكاليات التسوية الأممية والدولية للجرائم والجنح الدولية: حالة حرب الريف الكيماوية 1921-1926″، فإن ملف الجرائم المرتكبة من لدن إسبانيا في الريف يعد من الملفات القليلة التي لم تُعالج بعد من حيث التسوية القانونية.
ويوضح الغلبزوري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن إسبانيا مطالبة بفتح الملف بمقتضى القانون الدولي، باعتبارها المسؤولة عن ارتكاب جريمة الحرب، بمعية ألمانيا التي زودتها بالأسلحة الكيماوية، خاصة “غاز الخردل”، علما أن معاهدة “فيرساي” حظرت على ألمانيا إنتاج وتخزين وتصدير هذا النوع من السلاح الكيماوي.
ويؤكد الباحث في القانون الدولي أن ألمانيا وإسبانيا مسؤولتان عن جرائم الحرب التي استهدفت المدنيين بالريف، ما يتطلب، بحسَبه، الاعتراف بهذه الجرائم، فتقديم الاعتذار، ثم جبر الضرر الجماعي، مشيرا إلى أن الدراسات العالمية المنجزة في هذا الصدد تبيّن العلاقة الوطيدة بين السرطان المتفشي بالمنطقة والسلاح الكيماوي.
ويرى الخبير القانوني، ضمن إفادته، أن الدولة الإسبانية هي الوحيدة التي لم تعترف بعدُ بماضيها الاستعماري في العالم، رغم الانتهاكات الجسيمة المرتكبة بمنطقة الريف التي تعرضت للقصف الجماعي، بينما مضت فرنسا وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية باتجاه الاعتراف بجرائمها في البلدان المتضررة.