إمارة المؤمنين وآية الله .. الحسن الثاني يواجه الخميني بـ"التعليم الديني"
صورة: أرشيف

هسبريس من الرباطالجمعة 7 ماي 2021 – 21:00

ما قصة العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ لماذا اتخذ الملك الراحل الحسن الثاني مواقف مناوئة للثورة الإيرانية منذ اللحظة الأولى لقيامها؟ ولماذا غير موقفه بعد ذلك؟ كيف تدخلت الجزائر على الخط في اللحظات الأولى وأرادت إفساد العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ كيف استقبلت النخبة المغربية الثورة الإيرانية بعد قيامها؟ وكيف كان أداء المغرب خلال الحرب العراقية ــ الإيرانية؟

هذه الأسئلة وغيرها نتابع الإجابة عليها خلال شهر رمضان مع كتاب الباحث الدكتور إدريس الكنبوري “أمير المؤمنين وآية الله.. قصة المواجهة بين الحسن الثاني والخميني”، الذي خص به جريدة هسبريس.

الحلقة الثالثة والعشرون

أدرك الحسن الثاني أن وراء الثورة الإيرانية غضبا شعبيا ضد سياسات الشاه وضد التفاوت الاجتماعي والطبقي في المجتمع الإيراني، ولكن هذا مجرد مظهر خارجي لثورة غيرت كل شيء في إيران إلى الأبد، أما الحقيقة فهي أن وراء الثورة الإيرانية فئتين اجتماعيتين قويتين، كل واحدة منهما تتوفر على قوة سياسية واجتماعية ضاربة إذا وجدت من يهيكلها ويوجهها الوجهة المقصودة، أما إذا اتحدتا في قوة واحدة، فإن التغيير حاصل ولا بد. هاتان القوتان هما: قوة طلاب الجامعات، وقوة رجال الشريعة.

لقد بدأت الثورة باستنهاض الخميني، ورجال الشريعة معه في الحوزات العلمية في قم، طاقات الطلاب الجامعيين لكي يقوموا ضد “الاستكبار”، ثم وصل الغضب إلى قم جميعها لتشتعل البلاد. وكان الطلبة هم الذين نفذوا عملية اقتحام السفارة الأمريكية في طهران. ويبدو لي أن الخميني ــ الذي أقام في فرنسا لفترة طويلة ــ كان على اطلاع على أحداث ماي 1968 التي غيرت الشيء الكثير في فرنسا انطلاقا من توظيف فئة الطلاب وحدها دون غيرها، ومن الجامعات الفرنسية خرج التغيير ليمتد في المجتمع الفرنسي كله، ويمس جميع الفئات، حتى المفكرين والفلاسفة والسياسيين الذين وجدوا أنفسهم منساقين وراء مطالب الطلاب وطموحاتهم الشبابية، بحيث تغير الفكر الفرنسي نفسه.

وقد ولدت أحداث ماي 68 من مطالب بسيطة في الظاهر ثورة طلابية، تتعلق بحرية الطلبة والطالبات في زيارة بعضهم بعضا في الأحياء الجامعية وإلغاء الحواجز التي تفصل بين أحياء الإناث وأحياء الذكور، ولكن تلك المطالب البسيطة سرعان ما أعطت قوة فلسفية وثقافية عنوانها الحرية الجنسية والاعتراف بالشذوذ الجنسي، ومنها خرج جان بول سارتر وميشيل فوكو وسيمون دوبوفوار وسوى هؤلاء الثلاثة.

لذلك التقطت الدولة المغربية، التي دخلت في وقت مبكر في نزاع مع الثورة الإيرانية الجديدة وأقطابها الجدد، عنوان الرسالة السياسية للثورة، فقررت إحداث تغييرات واسعة على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي، من أجل امتصاص الغضب، والاستفادة من الدرس الإيراني، والعمل على أن لا يحدث في المغرب أي انتفاضة شعبية، مع أن تلك الانتفاضة حصلت بالفعل ثلاثة أعوام بعد ذلك التاريخ في الدار البيضاء، عام 1982، وسميت “انتفاضة الكوميرا”.

في سياق الاستراتيجية الجديدة للإصلاح، أعلن الملك الحسن الثاني عن إجراءين مهمين، يرتبطان بطلبة الجامعات والتعليم الديني في الجامعة المغربية. الإجراء الأول يهم تخصيص منحة مالية كل ثلاثة أشهر للطلبة المحتاجين (لم تتغير قيمتها المالية منذ تلك الفترة)، ويرتبط بذلك الإجراء وضع مشروع قانون لمطالبة الأثرياء بدفع الزكاة، زيادة على الضرائب، لأن هذه توجه إلى الدولة، والأولى يجب أن توجه إلى الفقراء للنهوض بالمناطق المعوزة، لكن المشروع ظل على الرفوف منذ ذلك التاريخ.

أما الإجراء الثاني فهو إنشاء شعبة جديدة في الجامعة المغربية هي شعبة الدراسات الإسلامية، لتكون المنافس لشعبة الشريعة التي كان يتخرج منها العدول وغيرهم من الفئات المهنية، ولكي تكون البديل لها مستقبلا، بحيث تحجبها وتغطي عليها.
وقد جاء الإعلان عن الإجراء الأول، ومشروع قانون الزكاة، في الخطاب الملكي لافتتاح دورة أكتوبر للبرلمان، الذي جاء فيه: “نريد مغربا موحدا في صفوفه السياسية والنقابية مثلما هو اليوم، حتى يتمكن ذلك المغرب من أن يقف سورا واحدا وحصنا منيعا أمام كل مطمع من الأطماع، وأمام كل من سولت له نفسه أنه سيمكنه بجرة قلم، أو طلقة مدفع، أن يمحو من سطح الأرض ما خططناه منذ قرون. نريد للمغرب أن يكون عزيزا على الله وحبيبا لله، قويا في تخطيطه التربوي وفي تخطيطه الأسروي”.

ثم قال الملك: “فسنعرض عليكم في هذه الدورة عدة مشاريع، منها ثلاثة مشاريع تقدم إليكم من طرف الحكومة، تتعلق بكيفية قريبة جدا بالموضوع الذي طرقناه في السنة الماضية. أولا: مشروع يخص تعديل النظام الجبائي، ذلك النظام الذي سيجعلنا أمة وسطا، ذلك الذي سيحاول ــ أقول سيحاول ــ لأن عمل الإنسان لا يمكن أن يكتسي تماما بالسلامة من الأغلاط والأخطاء، أن يجعل من ذلك الفرق الطبقي كالهلال عند ولادته، لا كالقمر المقمر. ثانيا: مشروع القانون الثاني يتضمن كذلك ــ وأقول هنا وأنا أعلم ما أقول ــ النظر في إعطاء المنح لكل واحد من الطلبة والتلاميذ المغاربة، وهذا كذلك من القضاء على الفوارق الطبقية. ثالثا: مشروع قانون سيطالب المثرين المغاربة جميعا أن يؤدوا ــ زيادة على الضرائب ــ الزكاة، تلك الزكاة التي سيذهب ربعها لا في الموظفين ولا في البذخ ولا في الرخاء، بل ستوزع سنويا على الجهات أو الأقاليم لتنهض بمشاريعها الاجتماعية والاقتصادية”.

الثورة الإيرانية الحسن الثاني الدراسات الإسلامية منحة الطلبة

hespress.com