إمارة المؤمنين وآية الله .. الملك الراحل الحسن الثاني و"رسالة القرن"
صورة: أرشيف

هسبريس من الرباطالأربعاء 12 ماي 2021 – 21:00

ما قصة العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ لماذا اتخذ الملك الراحل الحسن الثاني مواقف مناوئة للثورة الإيرانية منذ اللحظة الأولى لقيامها؟ ولماذا غير موقفه بعد ذلك؟ كيف تدخلت الجزائر على الخط في اللحظات الأولى وأرادت إفساد العلاقات المغربية ــ الإيرانية؟ كيف استقبلت النخبة المغربية الثورة الإيرانية بعد قيامها؟ وكيف كان أداء المغرب خلال الحرب العراقية ــ الإيرانية؟

هذه الأسئلة وغيرها نتابع الإجابة عليها خلال شهر رمضان مع كتاب الباحث الدكتور إدريس الكنبوري “أمير المؤمنين وآية الله.. قصة المواجهة بين الحسن الثاني والخميني”، الذي خص به جريدة هسبريس.

الحلقة الأخيرة

بعد بضعة أشهر من تعيينه رئيسا للجنة القدس، المنبثقة عن القمة الإسلامية التي عقدت بمدينة فاس في ماي 1979، زار الملك الحسن الثاني حاضرة الفاتيكان لمقابلة البابا جون بول الثاني، زعيم الطائفة المسيحية الكاثوليكية، وذلك بتكليف من منظمة المؤتمر الإسلامي، من أجل التباحث حول موضوع القدس الشريف.

شعر الحسن الثاني بأن ذلك التكليف يضع على كاهله مسؤولية عظمى، ليس فقط في كونه يرأس لجنة تتجه إليها جميع الأنظار، بل في كونه يتحمل مسؤولية الدفاع عن أصعب قضايا المسلمين في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وهو قضية القدس. وفي لقاء مع الصحافة العربية يوم 28 أبريل 1980، قال الحسن الثاني عن زيارة الفاتيكان :”إذن، هي زيارة كنت مأمورا بها وهي زيارة استطلاعية”، وكشف بأن الهدف من الزيارة لم يكن التباحث حول القدس سياسيا ولا دينيا، بل استطلاع رغبة البابا واستعداده “في وضع يديه في أيدي المسلمين، لا أقول العرب، بل في أيدي المسلمين لإيجاد حل لمدينة القدس”.

جاءت تلك الزيارة عقب قمة فاس، التي وجه بعدها الحسن الثاني رسالة إلى بابا الفاتيكان، بتاريخ 26 شتنبر 1979، ينهي إلى علمه خبر تعيينه رئيسا للجنة القدس، ويهيب بالبابا لعب دور في تسوية النزاع حول المدينة المقدسة، حيث جاء في الرسالة: “وليس في العالم صوت يعتمد ويسمع وينتظر أيضا كصوتكم القادر على أن يبذل لمسلسل السلام الجاري في الوقت الحاضر دينامية أقوى، وللناس المحبين للعدل أملا أكبر وأوسع”.

أدرك الحسن الثاني أنه وضع قدميه في مهمة صعبة، هي تمثيل العالم الإسلامي أمام العالم قاطبة في ما يتعلق بأقدس القضايا التي يشتبك فيها المسلمون مع إسرائيل والغرب الذي يدعمها، هي قضية القدس الشريف، وبأنه أصبح زعيما للأمة الإسلامية من مدخل هذه القضية، وهذا ما جعله يوجه رسالة إلى المسلمين في العالم أجمع، بمناسبة مطلع القرن الخامس عشر الهجري، بوصفه أميرا للمؤمنين، وهو تقليد قديم اعتاده ملوك المغرب عند مطلع كل قرن هجري جديد، وقد سميت تلك الرسالة برسالة القرن.

وجاء في تلك الرسالة: “واقتضت حكمة الله أن يضع على عاتق خلفاء المسلمين وأمرائهم أمانة خلافته في الأرض، فجعل بذلك على رأس مهامهم مسؤولية الذود عن الشريعة والحفاظ على الدين وحماية المجتمع الإسلامي من كل زيغ أو ضلال بين. وقد امتاز المغرب الإسلامي بتعاقب ملوك بررة جعلوا الحفاظ على الإسلام والدفاع عن فيما وراء البحار، ونشره فيما جاوره من الأفكار مهمتهم الأولى، وتثبيت تعاليمه في النفوس غايتهم المثلى، ومن بينهم ملوك شرفاء من آل البيت الكرام، في طليعتهم أسلافنا الملوك العلويون المنعمون في دار السلام. ومنذ ولانا الله أمر هذا الجانب الغربي من دار الإسلام ضاعفنا الجهود لتعزيز جانب الدين في كل حين، ولم ننقطع عن العمل المتواصل لبعث حيويته وتجريد معالمه وإبراز محاسنه للموافقين والمخالفين، اقتداء بصاحب الرسالة وخاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام”.

ودعا الملك في الرسالة إلى إعداد “مجموعة كافية من العلماء والمفكرين، يكونون مثل سلفهم مستوفين لشروط الاجتهاد والنظر في أصول الدين، ويكرسون جهودهم لإحياء تراث الإسلام الثمين، وصياغته صياغة جديدة تجعله في خدمة جماهير المسلمين”.

كما دعا إلى تشجيع البعث الإسلامي والدعوة الإسلامية، ورعاية القائمين بهما، حيث قال: “فمن واجب القادة المسؤولين والزعماء البارزين في العالم الإسلامي أن يفتحوا الطريق أمام القائمين بالبعث الإسلامي والدعوة الإسلامية، وأن يشملوهم بالرعاية الكافية، حتى يؤدوا رسالتهم أحسن أداء، كما أن من واجب دعاة الإسلام أن يجتمعوا على كلمة سواء، ويدعموا فيما بينهم روابط التضامن والإخاء”.

البابا جون بول الثاني الحسن الثاني القدس الشريف لجنة القدس

hespress.com