الثلاثاء 22 دجنبر 2020 – 06:03
قرأت خبرا في منابر وطنية ودولية عن عزم وزارة التربية والتعليم المغربية إدراج الثقافة اليهودية المغربية ضمن المقررات الدراسية، ولا أخفي بهجتي بهذا الخبر. لأن إدراج هذا المكون الثقافي في المقررات الدراسية يندرج ضمن تنزيل للدستور المغربي الذي يعتبر المكون اليهودي المغربي (العبري) عنصرا مؤسسا للتنوع الثقافي المغربي، هذا التنوع الذي يزيد المغرب قوة تصدّ لمختلف أشكال الغزو والاختراق الثقافيين، وكذلك ما يتيحه من مناعة ضد التصلب الثقافي الذي يقود في كثير من الأحيان نحو العنصرية والتطرف.
بعض الناس وربما كثير منهم، غير مقتنعين بكون الثقافة اليهودية مكون من مكونات بنائنا الثقافي، وقد يبدو لهم إدراجها ضمن أسلاك التعليم ترفا فكريا أكثر منه ضرورة تربوية. وهنا تحضرني مقولة شهيرة “المرء عدو ما يجهل”، فهذا القول ينطبق تماما على هؤلاء، لأنه لا معرفة لهم في الغالب الأعم بفحوى هذا المكون الثقافي. فالدارس للثقافة الشعبية المغربية لابد أن يقف على الغنى الذي يميزها، والتعدد الذي يؤثتها، والتلاقح الثقافي الذي يجعلها خصبة منفتحة على مكوناتها المتعددة من عربية وأمازيغية وحسانية ويهودية وافريقية..
ترجع علاقتي الأولى بالثقافة اليهودية المغربية إلى ست (6) سنوات خلت، حينما كنت طالبا في ماستر “الثقافة الشعبية المغربية” بكلية الآداب بمدينة القنيطرة. في هذا المسلك تعرفت على تاريخ التواجد اليهودي بالمغرب، بتقاليده وعاداته ودينه، درست التوراة والتلموذ، واللغة العبرية، وتعرفت على الحرف اليهودية القديمة وعاداتهم الغذائية ومتخيلهم الاجتماعي، وأشكال التسامح والتعايش الذي طبع العلاقات بين اليهود والمسلمين في المغرب والأندلس.
في “ماستر الثقافة الشعبية المغربية”، تعرفت على الأدب الشعبي اليهودي المغربي؛ من حكايات وأمثال وأشعار وأحجيات… وهنا مربط الفرس؛ فعلى سبيل المثال، كثير من المغاربة يرددون أمثالا شعبية لا يعلمون أن منبعها الثقافة اليهودية المغربية، وكذلك الأمر بالنسبة لباقي أشكال الأدب الشعبي الشفهي. وذلك أن هذا المجال ظل مغيبا لزمن طويل من الدراسة الأكاديمية باعتباره مجالا هامشيا، وباعتبار الثقافة الشعبية غير جديرة بالدراسة العلمية. ليصير الآن حاضرا بقوة في مختلف جامعات العالم انطلاقا من كون الجانب الثقافي هو أخطر ما يميز بني الإنسان عن بعضهم، وباعتباره من الأسس المشكلة للهوية الوطنية.
تقول الحكمة النبوية: “من لا يشكر الناس لا يشكر الله”. لهذا لن أفوت الحديث عن المكون اليهودي المغربي دون أن أشكر أستاذة جليلة، الأستاذة “فاطنة الغزي” وهي قامة علمية كبيرة في هذا المجال، تتمتع بحس وطني عال، وغيرة كبيرة على ثقافتنا المغربية، ما حدا بها إلى تأسيس هذا الماستر، ثم فيما بعد فتح تكوين دكتوراه في الثرات الثقافي المغربي. وتكوين وتخريج أفواج عديدة من الباحثين الأكاديميين الذي خدموا ولا زالوا يخدمون ثقافتنا المغربية بتسليط الضوء عليها تدوينا، تجميعا، تحليلا، ونقدا .
يحيل الحديث عن الثقافة اليهودية عادة على دولة إسرائيل، باعتبارها وطنا قوميا لليهود. لكن ما يجب فهمه والتأكيد عليه أن الحديث عن الثقافة اليهودية المغربية لا علاقة له بدولة إسرائيل، نحن نتحدث عن مكون من مكونات بنائنا الثقافي الذي نعتز به. فمثلما نعتز بعمقنا الأمازيغي والحساني والعربي والإفريقي، فكذلك يجب أن نعتز بعمقنا اليهودي العبري. وتبقى الجالية اليهودية المغربية في إسرائيل مثلها مثل أي جالية مغربية أخرى في كل ربوع العالم. ومن يتابع أخبار هذه الجالية المغربية اليهودية يعلم مدى تشبعهم بمغربيتهم البارز في مدى حفاظهم منذ القدم إلى اليوم على لهجتهم المغربية وتقاليدهم وفنون طبخهم وغيرها من التقاليد التي يورثونها لأبنائهم جيلا عن جيل.