بمناسبة اليوم العالمي للشعر، الذي يحتفى به في 21 مارس من كل سنة، تقدم اتحاد كتاب المغرب بكلمة إلى شعراء العالم بعنوان “يا شعراء العالم اتحدوا..!”، أبدعها الشاعر المغربي أحمد مفدي، واعتبرها “رسالة إلى شعراء العالم لعلهم يتحدون لرعاية الجمال والسلام والمحبة، ولا يخجلون”.
وقال الشاعر في كلمته: “يا شعراء العالم اتحدوا، وانتبهـوا إلي قـراصنة الفرحِ وهم يشنقون وردة المحبة والجمال، وكان عبيرها قد لامس أيدي العاشقين، واحذروا تشظي القيم النبيلة وقد داس بهاءها الطغاة العابرون الذين إذا رأوا الخير المشرق بجماليات المحبة أدبروا، وإذا رأوا الشر المحدث بالبشرية أقبلوا، في زمن تسوده المسوخات المهترئة جهارا، أمام صانعي عاهات هذا العالم المغموس في بهارات النفاق ودماء الأشقياء، وهم فرحون بما يفعلون..! ولا يفسحون مجالا للشعراء ليزرعوا كرمة الفرح لعشاق العروج إلى المدى اللامتناهي، حيث تمحق المحبة الكراهية، فترقص عنادل العاشقين على شطآن المحبة، حين تهوي الكراهية وصانعوها إلى الجحيم”.
وأضاف الشاعر أن “العالم بلا شعر أعشى، لا يرى ما يحمله من أسقام للبشرية، حيث يمشي مقلوبا على رأسه، بلا زاد ولا قيم تشفع له انكساره وانحداره حتى استهان الغر بنبوءات الشعر وصفاء روائه، وازور الأمير عن لآلئه وابتغاه حذاءه، وتمنع القصيد على الجهبذ الكبير- أحيانا- حتى قال ذات زمان: لقلع ضرس أهون علي من قول بيت شعر، إذا توارت الطقوس الشعرية وانكسرت الكؤوس على شفاه الشعراء دون أن يذوقوا من راح ما تملّأت به الكأس من لذيذ الشفوف الآتي من أعماق الوجود الشعري..! فاشرأب الشعراء بأعناقهم إلى الأعلى ليسبحوا في ملكوت الحدس اللامرئي، يأملون أن يتلقفوا إيحاء يومض من نبع الخيال ليدلهم على محاكاة الواقع بقصيدة تورق في الذات رؤى الشدوه والانبهار من ناشئة الشعر، التي لا تزهر إلا إذا انزوى الشاعر بذاته في ذاته، ودخل في شكرته الأبدية، وكان في خلوة تغشاها شطحات الرؤيا..!.
وورد ضمن الكلمة ذاتها أن “الشاعر إذا أدرك السر في سكرة الوجود، وأيقن أنه ملاقيه، سينفض عن اللغة المحايدة الصامتة ما علق بها من دلالات معيارية، ويهز جذع حروفها لعل ما بقي بها من دلالة المجاز يساقط شعرا ملتهبا وحبا سنيا وجمالا وسلاما يخرس الكراهية الشرسة والحروب الوحشية المدمرة للقيم الإنسانية”، مضيفة: “الشعر نور ونار، وطين وروح جنان وجحيم، جمال وحب، فلينظر كل متلق كيف يتلقى من ناشئة الشعر قصيد شاعر اختلى فردا في حوشه، ثم ذاب عشقا في ذاته حتى أمسي لا يدري أهو القصيد أم القصيد هو..!”.
“إن الشعر استغوار الأعمق”، يضيف أحمد مفدي، “واستجلاء الغامض، لكشف مجاهل النفس واستجلاء ما انبهم من هذا الوجود، واستعصى على غير الشاعر فهم مداه، ليدرك العالم أنه ليس بالقول الهزل ولا بهذيان درويش يهذي بكلام يلقى جزافا يتلقفه من يدري ومن لا يدري. إن الشعر وعاء القيم الإنسانية وثقافتها، يخلد للبشرية ما درجت عليه الأمم من أنماط الحياة الثقافية والسياسية والحضارية المشتركة، وما غبرت عليه من نقاء الفطرة واشتهاء روائها ولا يلتفت إلى القبيح من يباب الرداءة إلا إذا اتخذه رمزا يتلمس به الجميل الآتي”.
كما قال الشاعر المغربي مفدي إن “الشعر كلمة وفي البدء كانت كلمة السر سحرا/ رقوشا/ أو نقوشا على جسد الكون، لكلنها غامضة الدلالة، كأنها الإشارة إلى الجميل الآتي الذي يحدسه الشاعر نورا يتألق بين الذات والوجد، بين المرئي واللامرئي، بين الروح والهيولى، بين الماضي/ الحاضر والآتي..!”.
وخلص أحمد مفدي إلى أن الشعر هو الشعر، هو الشهر، هو الشعر. كما قال بول فاليري، لا نهتم بالشكل بل بجوهر الشعر من إيقاع وصور ورؤى.. الشعر روح، واللغة مادة، ومن المادة يقبس الشاعر نور اليقين الشعري، ليفترع المجهول، ويلتقط ما تهارق من القيم الإنسانية ويضيء الطريق لمن انبهمت عليهم السبل من السالكين إلى فراديس المحبة، لأن الشعر محبة… وبالمحبة وللمحبة خلق هذا الكون الذي أفسده المترفون بالانتهازية الحمقاء.
كما خلص الشاعر أيضا إلى أن الشعر مرآة المجتمع والشاعر محشور في وسطه يرى ويسجل ما يسترهصه من قبح وجمال وعدل وظلم وقيم وانحطاط، وهو بمخياله وشفوفه واستبصاره ينحاش إلى الجمال والحق، ويخلد ما تكشف له مارقا في عصره عن سواء الحب والسلام. كما أن الشاعر بلا قضية إنسانية يحملها عبء ثقلها ليس بشاعر، إنما هو يتقول بما لا يخدم أمة ولا إنسانية.. قضية الشاعر أن يعري ما انطمر من القيم تحت أحذية العابرين إلى الجحيم، وفق تعبيره.