الثلاثاء 23 مارس 2021 – 23:55
23 مارس لن يُمحى من الذاكرة الجمعية للمغاربة، حينما تفجرّ غضب تلامذة الثانويات بمدينة الدار البيضاء، ثم سرعان ما تحوّل الأمر إلى مظاهرات انخرط فيها معظم السكّان، قبل أن تتوسّع الاحتجاجات لتعمّ مدناً كثيرة؛ مثل الرباط وفاس ومكناس، فكان الردّ قاسياً أمام “انتفاضة 1965” التي كانت الأكثر دموية في التاريخ الاحتجاجي المغربي.
وكان لمنشور وزارة التعليم، التي كان على رأسها يوسف بلعباس، المفعول الواسع في الوسط التلاميذي، وفق محمد عابد الجابري، الذي لفت إلى أنه ضيق الخناق على “تلاميذ الثانويات” في بعض الأمور من دون موجب، من خلال منع إعادة تسجيل التلاميذ الذين فاقت أعمارهم 17 سنة بسلك التعليم الثانوي، ليتطور الأمر إلى مظاهرات قادها التلاميذ، فانضمّ إليها سكان الدار البيضاء، ليتحوّل الأمر إلى مواجهات دموية بين المتظاهرين والقوات العمومية.
ويحكي الجابري بعض تفاصيل الانتفاضة، من خلال كتابه المعنون بـ”في غمار السياسة: فكرا وممارسة (الجزء الثاني)”، إذ يشير إلى أنه بعد مرور أسابيع من التمرّد استقبل الحسن الثاني عبد الرحيم بوعبيد بإفران، ليناقش معه أمر حوادث الدار البيضاء، وكان ممّا قاله العاهل الراحل: “لماذا هتفوا بسقوط الحسن الثاني ولم يهتفوا بسقوط يوسف بلعباس صاحب المنشور؟”، فأجابه بوعبيد: “ربما لأنهم يعرفون ألا أحد في الحكومة مسؤول عن شيء!”.
“انتفاضة 1965” كانت الأكثر عنفاً في المسار الاحتجاجي بالمغرب، بالنظر إلى تسجيل آلاف الاعتقالات ومئات الجرحى، وعشرات القتلى، حسَب ما أشار إليه مؤلَّف “الحركات الاحتجاجية في المغرب ودينامية التغيير ضمن الاستمرارية”، للكاتب الحبيب استاتي زين الدين، الذي أبرز أنه تمت الاستعانة بجميع الوسائل؛ قوات الشرطة، القوات المساعدة، قوات التدخل السريع، الجيش، وحتى الأسلحة الثقيلة، لتعيش مدن عدة تحت حالة الطوارئ.
ويُتابع الحبيب استاتي زين الدين سرد حيثيات الحدث بالقول: “دامت هذه الحوادث أياما عدة، ثم تقرر بعدها التخفيف من نظام حظر التجول بمدينة الدار البيضاء، وتم إصلاح الأعطاب بسرعة فائقة وإزالة آثار المعارك واستعادة خطوط المواصلات، ولكن الاعتقالات ظلت مستمرة، بل إن الصراع السياسي ظل العنوان الأبرز لأكثر من عقدين من الزمن بعد ذلك”.
في 29 مارس 1965، ظهر الحسن الثاني على شاشات التلفزيون، معربا عن استيائه من سيطرة “قانون الغاب” على الدولة، قبل أن يُخاطب الأطر التربوية والتعليمية بلهجة شديدة، بعد اتهامهم باستغلال التلاميذ والتستر وراء الأطفال، قائلا: “أقول إنه لا خطر على أي دولة من الشبيه بالمثقف، وأنتم أشباه المثقفين، وليتكم كنتم جهلا”.
لكن، بعد مرور 55 سنة على تلك الانتفاضة، تغيّرت أدوار المؤسسة العسكرية، ففي اليوم نفسه؛ أي 23 مارس من العام الفارط، ستُعبّأ القوات المسلحة الملكية من جديد لتدبير جائحة “كورونا”، هذه المرة بعدما أعطى الملك محمد السادس تعليماته للجنرال دو كوردارمي عبد الفتاح الوراق، المفتش العام للقوات المسلحة الملكية، من أجل توفير المساعدة الطبية لاحتواء تداعيات فيروس “كوفيد-19”.