استنكار متزايد يرافق تغيير أسماء أمازيغية لمؤسسات تعليمية في تغجيجت، بإقليم كلميم، بلغ حد وصف السلطات الوصية على قطاع التعليم بـ”العنصرية”.

يأتي هذا بعد مراسلة للمديرية الإقليمية للتعليم بجهة كلميم واد نون، في نهاية شهر ماي الماضي، تفيد بتغيير أسماء ثلاث مؤسسات تعليمية إعدادية بالإقليم من “تيمولاي” و”إكسيل” و”أمحيريش”، إلى “أحمد الهيبة” و”عبد الرحمن اليوسفي” و”النهضة”.

واستنكر المكتب المحلي للجامعة الوطنية للتعليم، المنضوي تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل، “التغييرات التي حذفت أسماء ذات دلالات محلية وتاريخية وثقافية، وتحترم المرجعيات القانونية ودستور البلاد الساعي إلى إقرار المساواة بين اللغتين الرسميتين لبلادنا”.

وحذر المكتب المحلي للجامعة الوطنية للتعليم بتغجيجت من “مغبة فهم وتأويل الخطورة كفعل عنصري، يعتبر الأسماء الأمازيغية وصمة عار لا تليق بأن تسمى بها المؤسسات العمومية الوطنية”، ما “يكرس التمييز والدونية تجاه الثقافة واللغة الأمازيغية، ويزكي احتقار الذات والموروث الثقافي في نفوس الناشئة بما يتعارض مع الغايات الكبرى للمنظومة التعليمية”.

ودعا التنظيم النقابي وزارة التربية الوطنية والأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بالجهة والمديرية الإقليمية بكلميم إلى “التراجع عن هذه الخطوة غير محسوبة العواقب”، قائلا إنه “لا ينفي أهمية الرموز والشخصيات التاريخية والوطنية وما لها من رمزية وأثر في تكوين نفسية النشء”، مطالبا في المقابل بـ”إدراج الأسماء ذات المرجعية الأمازيغية في عمليات تشوير المؤسسات العمومية الجديدة بالجهة، تنزيلا وإقرارا لمنطوق الدستور”.

بدوره، عبر “التنسيق الوطني للفعاليات النقابية الأمازيغية” عن تفاجئه بـ”إزالة الأسماء الأمازيغية لثلاث مؤسسات تعليمية تابعة لمديرية كلميم”، ووصف الخطوة بكونها تنم عن “نظرة عنصرية واحتقارية تجاه اللغة والثقافة والأسماء الطوبونيمية الأمازيغية”، وهو ما “يتنافى مع تعهدات الدولة بخصوص الأمازيغية للارتقاء بوضعيتها لتتبوأ مكانتها كلغة رسمية للبلاد، ويزكي مشاعر الدونية لدى التلاميذ والمواطنين”.

من جهتها، راسلت منظمة تاماينوت وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، قائلة إن التغييرات موضوع الجدل “مناقضة للعمق السوسيو-تاريخي للمنطقة، ولاختيارات الدولة المتعلقة بتدبير الرأسمال الرمزي لبلادنا”، علما أن هذا التغيير يتم “دون أن أي داع تربوي، ولا أية مبررات علمية وتاريخية”.

وجاء في رسالة “تاماينوت” أن تغيير الأسماء الأمازيغية للمؤسسات التعليمية الثلاث بتغجيجت ليس سوى “آلية من آليات تعميق اغتراب الناشئة عن أرضها وحضارتها ومحيطها”، وهو ما دعت على إثره إلى “التدخل لوقف تغيير أسماء هذه المؤسسات، وجميع المؤسسات التي طال التغيير أسماءها، والعمل على تسمية مؤسسات أخرى بأسماء ذات بعد أمازيغي، تفاديا لتعميق الهوّة الشاسعة بين الخطاب الرسمي والسياسة الفعلية للدولة، وتثمينا لمسلسل المصالحة مع الذات الوطنية الذي نعمل جميعا للتأسيس له”.

في هذا السياق، قال الباحث أحمد عصيد إن “ما أقدمت عليه وزارة التربية الوطنية يعد خرقا للدستور وللقانون التنظيمي، ومعاكسة للمخطط الحكومي بشأن تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية”.

وأضاف عصيد في تصريح لهسبريس، قائلا: “ما كنا ننتظره من الوزارة هو العكس تماما؛ أن تصدر مذكرة تدعو فيها إلى إطلاق أسماء الرموز وأسماء الأعلام الأمازيغية على مؤسسات تعليمية في الجهات، لأن هذا هو المنطق السليم الذي ينسجم مع التزامات الدولة، سواء في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية أو في الجهوية الموسعة والمتقدمة”.

وأجمل عصيد بأن “إزالة أسماء أماكن أمازيغية ووضع أسماء عربية مكانها أو أسماء شخصيات سياسية من المركز توجد في كل مدينة، عمل يدخل ضمن مسلسل التعريب الإيديولوجي الذي قاومناه منذ عقود”.

بدوره، قال عادل أداسكو، ناشط جمعوي مدافع عن القضية الأمازيغية، إن ما حدث من تغيير أسماء أمازيغية لمؤسسات تعليمية بجهة كلميم واد نون، ليس جديدا؛ فـ”وزارة التربية الوطنية تتعمد ارتكاب مثل هذه الأخطاء، رغم أن الأمازيغية أصبحت لغة رسمية”.

ووصف الناشط الحقوقي المدافع عن القضية الأمازيغية هذه التصرفات بـ”العنصرية”، مضيفا في تصريح لهسبريس أن “الغريب في الأمر هو أن القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي أصبح ساري المفعول، والسيد رئيس الحكومة أعلن عن مخطط التفعيل قبل شهر تقريبا، ولكننا نرى العكس اليوم”.

وتابع المتحدث بأن “منطقة واد نون وكلميم لها رموزها وأماكنها التاريخية، وهذه الأسماء المحلية لا يجوز تغييرها بأسماء أخرى مهما كانت الدوافع، خاصة أن الدولة سبق أن أعلنت عن سياسة جهوية موسعة تحترم ثقافة كل منطقة على حدة”، متسائلا: “هناك مؤسسات ومراكز تحمل أسماء عربية أجنبية لماذا لم يتم تغييرها؟ ولماذا قصدوا الأسماء الأمازيغية المحلية بالضبط؟”، قبل أن يخلص إلى أن هذا “يدل على وجود تمييز واضح ضد الأمازيغية من طرف المسؤولين عن المنطقة”.

وأكد أداسكو أنه وبقية الناشطين الأمازيغ ليسوا ضد “تسمية المدارس بأسماء زعماء مغاربة مثل الراحل عبد الرحمان اليوسفي، لكن في الوقت نفسه يجب احترام ثقافة وخصوصية كل منطقة، خاصة إذا كانت المؤسسة تحمل اسما أمازيغيا، فيجب تغييره باسم أمازيغي آخر وليس العكس، مع احترامنا وتقديرنا لجميع الزعماء المغاربة الذين أطلقت أسماؤهم على شوارع وقاعات ومؤسسات عديدة بالمغرب، لكن لا تستهدفوا الأسماء الأمازيغية”.

وأجمل المصرح قائلا إن “تغيير الأسماء الأمازيغية لمؤسسات تعليمية بأسماء عربية أو غربية هو انتهاك واضح لالتزامات الدولة، وللدستور فيما يخص احترام المكون الأمازيغي اللغوي والهوياتي، الذي يشمل أسماء الأماكن وأسماء الأعلام والمؤسسات”، مرجحا أن يكون هدف هذا التغيير هو “تعريب الأسماء الأمازيغية الموجودة أصلا”، وهو ما وصفه بـ”الأمر غير المقبول لا في دستور المغرب ولا في أعرافنا الوطنية”.

hespress.com