مع اقتراب موعد الاستحقاقات المحلية والتشريعية المقبلة، عادت الأحياء المهمشة لتتصدر اهتمامات المنتخبين بالدار البيضاء من جديد؛ فشرع عدد من المنتخبين الحاليين بمختلف المقاطعات بالعاصمة الاقتصادية للمملكة والدوائر الانتخابية البرلمانية في عقد اجتماعات مع بعض سكان الأحياء غير المهيكلة والشعبية، أملا في استقطاب تعاطفهم والظفر بأصواتهم خلال الانتخابات التي ستجرى في بحر السنة الجارية.
ويؤكد العديد من المتخصصين في الشأن المحلي أن هؤلاء المنتخبين يقدمون، خلال هذه اللقاءات والتجمعات التي يعقدونها مع سكان تلك الأحياء غير المهيكلة والشعبية، برامج ووعودا تتعدى حدود اختصاصاتهم ولا تنسجم مع إمكاناتهم.
وفي هذا الصدد، يقول الباحث السياسي الأستاذ الجامعي رشيد لبكر، في معرض تعليقه على موضوع اهتمام المنتخبين بالأحياء المهمشة مع اقتراب الانتخابات، إن “هذه الظاهرة قديمة ومتجددة تتكرر بمناسبة أي استحقاق انتخابي، سواء على المستوى الترابي أو التشريعي؛ وذلك راجع إلى العديد من الأسباب، إذ إن الأحياء غير المهيكلة والمهمشة تعد الخزان الطبيعي للأصوات في نظر هؤلاء المنتخبين، بالنظر إلى كثرة المطالب المرتبطة بالفقر والهشاشة وتعدد الاحتياجات. وبالتالي، فمن السهل اللعب على حبل المطالب وكيل الوعود، فضلا عن الإغراءات المالية مقابل منح الأصوات”.
وأضاف الباحث السياسي: “كانت وزارة الداخلية، في عهد الوزير الأسبق إدريس البصري، واعية تماما بهذا المعطى. لذا، كانت تحرص على زرع مثل هذه الدواوير الصفيحية وسط الأحياء المنظمة والراقية التي يصعب إغراؤها، على أساس أن تشكل معها دائرة واحدة، لهدف واحد هو ضبط الخريطة السياسية والميل بكفة الأصوات في الاتجاه الذي ترغب فيه السلطة انطلاقا من تحكمها في كتلة الأصوات التي توفرها هذه الدوائر، بحيث كانت هذه الأخيرة تمنح كهدايا للحائزين على رضا السلطة. وعليه، يمكن القول إن لهذه الأحياء – فيما مضى- وظائف سوسيو – انتخابية صرفة، وأن وضعية الهشاشة التي تعيشها كانت مجرد حلبة للمزايدات وضبط التوازنات”.
وتابع رشيد لبكر: “المعطى الثاني يرتبط باستمرار بعض العادات المتأصلة في المجتمع المغربي بهذه الأحياء، حيث الولاء لـ”ولد الدرب” و”ولد جارنا”، لا سيما عندما يتعلق الأمر بنمط الاقتراع الاسمي وليس باللائحة، والذي عملت مشاريع القوانين المعدلة لانتخابات المجالس الترابية الموافق عليها في المجلس الوزاري الأخير على توسيع هامش تطبيقها لتشمل جماعات جديدة”.
ويتابع المتحدث في التصريح ذاته: “المعطى الثالث مرتبط بثقافة “دعه يسير دعه يعمل”، يعني سياسة “غض الطرف” والتراخي في تطبيق القانون وإفساد العملية الانتخابية لدواع مرغوب فيها أحيانا؛ الشيء الذي كان يفسح المجال أمام الفاسدين والمفسدين للتلاعب بإرادة الناس وشراء الأصوات واستغلال البؤس بكل حرية “وعلى عينيك يا بن عدي”، ودون خوف من عقاب أو جزاء. لذا، نتطلع إلى أن تعمل مشاريع القوانين المعدلة، بعد المصادقة عليها ودخولها حيز التنفيذ، ولا سيما في الشق الذي تناولت فيه حماية العملية الانتخابية وضبط حساباتها، على تدارك هذا الأمر”.
ويتعلق المعطى الرابع، حسب رشيد لبكر، بـ”مسؤولية الأحزاب، ولا سيما البعض منها التي كانت تعمل على ترسيخ هذا الواقع عبر تحالفها مع السلطة والإذعان لها، وهذا تاريخ مضى تتحمل فيه هذه الأحزاب كامل المسؤولية، وعليها الآن بذل جهد مضاعف للتكفير عما مضى، والإقلاع عن هذه الممارسات، عبر تقديم برامج واقعية وترشيح الكفاءات وتقديم مصلحة الوطن على مصلحة الصوت”.
وتابع المتحدث تصريحه لهسبريس: “هناك أيضا المعطى المرتبط بواقع الأمية السياسية، بسبب استقالة مؤسسات التنشئة السياسية عن القيام بأدوارها، والنتيجة سيادة ثقافة لا تفرق بين مهام النائب البرلماني والمستشار الجماعي؛ الشيء الذي استغله المتلاعبون بإرادة الناس في هذه الأحياء غير المهيكلة والشعبية لتقديم برامج انتخابية تتعدى حدود اختصاصاتهم ولا تنسجم مع إمكاناتهم”.
ويرى الأستاذ الجامعي أن هذه الأسباب تفسر سيادة هذا الاهتمام المفاجئ بالهامش، معتقدا أن الأمور تغيرت كثيرا، والسلطة تراجعت إلى الوراء لكي تبقى في حدود مسؤوليتها المتعلقة أساسا بتنظيم الانتخابات والسهر على سلامتها. كما أن المشاريع القانونية الجديدة تعبر عن إرادة الدولة في التزام الحياد الإيجابي وضمان النزاهة، يبقى المشكل قائما إلى أن يثبت العكس في ضمان تطبيق القانون ومعاقبة المفسدين والتزام الأحزاب في تقديم أحسن ما لديها من كفاءات تتوفر فيها شروط الابتكار والوطنية والغيرة والنزاهة والإبداع.