يتوقع أشد المتفائلين أن تستمر الأزمة بين الرباط ومدريد، بسبب تشبث كل طرف بقراءته الخاصة للنزاع الدبلوماسي؛ بينما يذهب البعض إلى ترشيح كفة عودة الدفء إلى العلاقات بين المملكتين وطي الخلاف المشتد، بتدخل مؤسسات قصري البلدين بالنظر إلى فجوة الخلاف.

وتعاكس مدريد طموحات الرباط، حيث بدا هذا جليا بعدما وفرت السلطات الإسبانية الأرضية لزعيم الانفصاليين إبراهيم غالي للهروب إلى خارج البلاد، في خطوة “متهورة” كما يصفها المحللون قد تعصف بما تبقى من أشكال المفاهمة بين البلدين.

وفي ظل تعذر الوساطة الدبلوماسية بين الحكومتين في ظل تشبث كل طرف بما يخدم مصالحه، تروج الأوساط الإسبانية إمكانية تدخل العاهل الملكي لإجراء اتصال مع نظيره محمد السادس لإرجاع الأمور إلى وضعها الطبيعي، لا سيما أن الخلاف أشد من أي سياق توتر سابق.

ولا يبدو أن إسبانيا تسعى إلى حل هذا المشكل بطريقة دبلوماسية؛ فقد اختارت التصعيد مع الرباط، وأدى ذلك إلى تناثر غبار تصريحات غير مسبوقة من الجانب الرسمي الإسباني، بينما يحاول المغرب سلك الطرق الدبلوماسية للحصول على إجابات بشأن “استضافة غالي”.

ولا يتوقع عبد الفتاح الفاتحي، المحلل والخبير في الشأن الإستراتيجي، تحقيق انفراج في العلاقات البينية بين البلدين أو على الأقل في الأمد المنظور، تقديرا لحجم رهانات الرباط من إعادة التفاوض على تدبير علاقاتها مع إسبانيا وباقي حلفائها الأوروبيين على أسس جديدة.

ويشير الفاتحي في تصريح لهسبريس إلى أن هذه الأسس الجديدة تأخذ بعين الاعتبار وزن الرباط في الساحتين الإقليمية والدولية، بعد نجاحها في تعزيز نفوذها إفريقيا وتقوية علاقات تعاونها مع الولايات المتحدة الأمريكية ولقوة نفوذها في تدبير ملفات الشرق الأوسط.

المحلل ذاته يقدم سيناريوهات أفق تدبير الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، حيث يتوقع أن تواصل الأزمة على أشدها بما لذلك من تداعيات إلى ما بعد الحكومة الاشتراكية برئاسة بيدرو سانشيز، لا سيما أن الخلافات البينية أكبر من مواقف الأشخاص وبالتالي لا يمكن حلها عبر تعديل حكومي بسيط.

ولذلك، يتصور الفاتحي أن الأزمة يراد لها أن تخلق نقاشا في سياق اختبار أوراق ضغط الطرفين لإعادة تقييمها لحقيقة مستوى الشراكة التي يجب أن تنشأ بين الطرفين وكيف يمكنهما تقديم تنازلات على قدر أهمية مستقبل الشراكة الثنائية.

وأوضح الخبير أن “اختبار أوراق الضغط وتعددها من شأنه أن يستدعي إعادة طرح الأزمة بين البلدين على واجهة الأحداث. ولا أعتقد أن المغرب مستعجل في إيجاد أي انفراج طالما أنه يريد تغييرا في المواقف داخل إسبانيا والاتحاد الأوروبي”.

ويتوقع الفاتحي بروز مؤشرات عن ترجيح سيناريو بحث الأزمة على مستوى مؤسسات قصري البلدين، بالنظر إلى فجوة الخلاف وطبيعة الخلافات والتي فيها ما يهدد نظام الحكم. ولقد تلقت إسبانيا في بلاغ الخارجية المغربية ما ينبه إلى ذلك؛ حين أكدت أن إجماع العرش والشعب حول مغربية الصحراء حاسم في تأطير عقيدة السياسة الخارجية للمملكة.

وقال بأن “عدم تقدير ما تعمل عليه إسبانيا من تخريب لمستقبل العلاقات البينية عبر نزاع الصحراء سيبعث على قلق شديد؛ لأنه سينظر إلى مواقف الجار الشمالي أنها تستهدف أمن واستقرار المملكة”.

“يبدو أن تتمخض عن الأزمة تدخل الاتحاد الأوروبي أو عضو منه لحل المشكلة المغربية الإسبانية أو إعادة النظر في طبيعة العلاقات المغربية الأوروبية بشكل شمولي، وهذا ما تتوق إليه المملكة المغربية طالما تعتبر أنها نجحت وأفادت المجموعة الأوروبية في الكثير من التحديات وأن على الأوروبيين تقدير ذلك”، يصرح الفاتحي.

hespress.com