تقع منطقة مرزوكة، المشهورة عالميا برمالها الذهبية، جنوب شرق المغرب، وبالضبط على بعد 130 كيلومترا من مدينة الرشيدية، وتفصلها عن الحدود المغربية الجزائرية مسافة تقدر بحوالي 35 كيلومترا. وتعتبر السياحة الركيزة الأساسية لعيش أغلب الأسر بهذه المنطقة المغربية.

تعتبر منطقة مرزوكة من المناطق السياحية بامتياز، حيث يقصدها المئات من السياح يوميا لمجموعة من الأسباب، منها التمتع بمناظر الكثبان الرملية الجميلة، والاستجمام، والرغبة في العلاج من عدد من الأمراض، خاصة الروماتيزم.

وقد كانت هذه المنطقة، حسب تصريحات العديد من الجمعويين الذين حاورتهم جريدة هسبريس الإلكترونية، محجا للزوار الذين يرغبون في أخذ حمامات رملية للعلاج الطبيعي، وهي تتمتع بأماكن طبيعية ومآثر تاريخية، تجعلها قبلة سياحية تنافس المدن الكبرى السياحية بالمغرب ودول الجوار.

وأجمع عدد من مهنيي السياحة والجمعويين بالمنطقة على أن تداعيات جائحة “كورونا” وعدم الاهتمام جعلا منطقة مرزوكة تعاني مجموعة من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، مشيرين إلى أن تاريخ هذه المنطقة السياحية لم يشفع لها لتكون ضمن اهتمامات وزارة السياحة، التي أهملت القطاع وتركت المنعشين السياحيين والمرشدين يعانون ويلات البطالة والفقر في ظل استمرار جائحة “كورونا”.

الجائحة تقتل السياحة

لا يختلف اثنان حول كون جائحة “كورونا” انعكست سلبا على القطاع السياحي وباقي القطاعات الاقتصادية في المغرب، مما دفع العديد من المهنيين إلى رفع شكايات إلى المسؤولين في مراكز القرار بالرباط، بغية تخفيف الضغط عنها، خاصة مع التوجه نحو تنشيط السياحة الداخلية.

وقال يوسف باني، مرشد معتمد بالمدن والمدارات السياحية بمنطقة مرزوكة، إن القطاع السياحي بلؤلؤة الجنوب الشرقي تأثر نتيجة التداعيات السلبية لفيروس “كورونا”، عقب إغلاق الحدود الجوية والبرية، الأمر الذي تسبب في ركود شمل كل الأنشطة ذات الصلة بالقطاع السياحي.

وأوضح المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن مرزوكة العالمية تعد من المناطق التي تعتمد بشكل كبير على القطاع السياحي كمصدر دخل، وتعد أحد مقاصد السياح الأجانب القادمين من جميع قارات العالم، مشيرا إلى أنه بعد الشلل التام الذي أصاب القطاع السياحي تغير طعم الحياة بمرزوكة وبالجنوب الشرقي بصفة عامة.

وأكد باني أن السياحة هي المدخل الأساسي بالنسبة للخط الرابط بين مراكش ومرزوكة، مرورا بورزازات وزاكورة وتنغير، مضيفا أن “أغلبية الساكنة بهذا الخط أو بالخط الرابط بين فاس ومرزوكة، مرورا بميدلت والرشيدية، تأثرت بالأزمة التي ضربت القطاع السياحي والعاملين فيه بشكل مباشر، وفي مقدمتهم المرشدون، فجلهم لم يعد يجد ما يغطي حاجياته اليومية، والبعض منهم بدأ يلجأ إلى طلب المساعدة من السياح الأجانب، في الوقت الذي كان بمثابة سفير لبلده، ويحاول أن يمرر انطباعا إيجابيا عن بلده، لكنه اليوم، في ظل الجائحة، وصل إلى الحضيض”.

مخيمات سياحية

كراوي عبد السلام، صاحب مخيم سياحي بمرزوكة ومهاجر باليابان، قال: “تعتبر مرزوكة برمالها الذهبية قطبا سياحيا عالميا يستقطب السياح بمختلف جنسياتهم ولغاتهم، من أجل الاستمتاع بمناظرها الخلابة وعيش تجربة الرحل من خلال قضاء ليلة أو ليال في مخيماتها السياحية المتواجدة على طول الكثبان الرملية، والتي يفوق عددها مائتي مخيم يشرف عليها السكان المحليون”.

وأضاف كراوي، في تصريح لهسبريس، “يعاني هذا النشاط السياحي (المخيمات السياحية) عدة صعوبات ومشاكل تحول دون وجود نظرة مستقبلية وأمل من طرف أصحابها ومستخدميهم”، مشيرا إلى أن هذه المخيمات تشغل عددا كبيرا من أبناء المنطقة، وتقلص انتشار البطالة في أوساط المجتمع المحلي، وتحد من الهجرة إلى المدن المغربية الأخرى من أجل العمل.

وأوضح المتحدث ذاته أن المخيمات السياحية تعاني أولا من عدم وجود قانون يؤطر هذا النشاط، مشيرا إلى أنه يزاول هذه المهنة منذ ثمانينيات القرن الماضي، ولاحظ عجز وزارة السياحة عن وضع قانون يراعي مصالح المستثمرين المحليين، وإشراكهم في صياغة القوانين التي تنظم القطاع عوض نعتهم بالعشوائية.

كما تعاني المخيمات السياحية، يضيف كراوي، من تداعيات جائحة “كورونا”، في غياب دعم للمستخدمين بهذه المخيمات بعد مرور سنة على انقطاع النشاط السياحي بالمنطقة، مشيرا إلى أن معدل البطالة ارتفع بنسبة كبيرة.

وأبرز المتحدث ذاته أن أصحاب الجمال يعانون أيضا نظرا لتوقف العمل، وعدم قدرتهم على توفير العلف لجمالهم بسبب ارتفاع الأسعار وانتشار الجفاف. وأضاف أن السلطات تزج ببعض المخيمات في المحاكم بدعوى الإيواء بدون رخصة في ظل هذه الظروف الاستثنائية الصعبة، مشيرا إلى أن كل هذه المؤشرات تعمق معاناة المخيمات والعاملين بها.

من جهته، قال سعيد، صاحب مخيم رملي سياحي آخر، إن المستثمرين يشعرون بالقلق بسبب المصير المجهول لهذا القطاع، في غياب التنسيق والتشاركية في صياغة القرارات وإيصال المعلومة، وكذا بسبب الغموض الذي يحيط بملف المخيمات السياحية، وغياب تام للمجلس الإقليمي للسياحة في الدفاع عن هذا النشاط الذي يشغل فئة كبيرة من أبناء المنطقة.

وأكد المتحدث ذاته أن المعدات تأثرت بالظروف المناخية الصحراوية بعد التوقف عن النشاط لما يفوق السنة، مما يشكل عبئا ثقيلا في توفير تكاليف الإصلاح، فضلا عن عدم استفادة القطاع من الدعم بمبرر إدراجه في القطاعات غير المهيكلة.

رفع الحجر

وفق تصريحات متطابقة استقتها جريدة هسبريس الإلكترونية، فإن السكان المحليين ومعهم مهنيو القطاع السياحي يعولون على رفع الحجر الصحي المفروض بسبب تداعيات جائحة “كورونا”، وفتح الحدود البرية والجوية أمام السياح الأجانب والمغاربة المقيمين بالخارج من أجل تنشيط الحركة السياحية والاقتصادية المتأثرة.

وفي هذا الصدد، تقول نعيمة، وهي من ساكنة مرزوكة: “قبل جائحة “كورونا” كانت المنطقة يضرب بها المثال في استقطاب السياح وتنشيط الحركة الاقتصادية، لكن اليوم “كلشي توقف”، وبلغت نسبة البطالة في صفوف مهنيي السياحة حوالي 99 في المائة بسبب الإجراءات المفروضة وغياب الدعم”.

وأضافت المتحدثة ذاتها، في تصريح لهسبريس، أن منطقة مرزوكة تعاني في شتى المجالات، وأن تداعيات “كورونا” زادت في تعميق الجراح، مشيرة إلى أن “هناك إهمالا مقصودا لهذه المنطقة من طرف السلطات والمنتخبين، وهناك جهات تحاول تفقير المنطقة لتحطيمها تنمويا وسياحيا”.

ووجهت نعيمة رسالة إلى الساكنة المحلية قائلة: “المنطقة بحاجة ماسة اليوم إلى أبنائها، وقوتنا تنبع من مدى اتحادنا”. وأضافت أن “المجلس الجماعي لم يقم بأي مبادرة تجاه ما تعانيه المنطقة من تهميش ونسيان، والتاريخ يسجل على كل واحد منا أفعاله وأقواله”.

واختتمت نعيمة حديثها قائلة: “لا يمكن اختصار مشاكل مرزوكة في السياحة، فتداعيات “كورونا” مست جميع الجوانب”، ملتمسة من المسؤولين بمختلف القطاعات زيارة المنطقة لإيجاد حلول عاجلة للمنطقة، وانتشالها من قوقعة التهميش، وانتقدت غياب دور وزيرة السياحة والصناعة التقليدية تجاه هذه المنطقة.

hespress.com