رغم الفزاعة الإسبانية، ورغم المجهودات التي بذلتها حكومات الجيران من أجل الإساءة إلى المغرب، إلا أن القوات المسلحة الملكية المغربية، المعروفة بابتعادها عن الشأن السياسي والشأن الإعلامي، نجحت ميدانيا في استقبال آلاف الجنود والمعدات في إطار مناورات الأسد الإفريقي التي ستمتد إلى غاية 18 يونيو الجاري. ويبدو أن المغرب قد راكم ما يكفي من التجربة، وكسب ثقة الجيوش المشاركة، في ما يتعلق بتنظيم هذا الحدث الذي يعد أكبر تدريب عسكري من نوعه في إفريقيا.

لأول مرة تظهر إسبانيا كبلد متشبث بفزاعة في أرض خلاء، تتوسطها طريق الوهم والسراب؛ فقد خصصت الحكومة الإسبانية كامل جهدها في الفترة الأخيرة لإبداء تعاطف ملغوم مع خصوم الوحدة الترابية، بدأ باستقبال زعيم ميلشيا البوليساريو ابراهيم غالي، وانتهى بتعنت غير مفهوم في مواجهة أسئلة الرأي العام الذي لم يقبل التضحية بتراكم طويل في العلاقات بين الشعبين المغربي والإسباني.

إسبانيا تبعت ابراهيم غالي في طريق الوهم، ومن يزرع الريح يحصد العاصفة، والنتيجة هي “طرد” إسبانيا من مناورات الأسد الإفريقي التي تواصلت بشكل عادي، وكم حاجة قضيناها بتركها.

وحتى عندما حاول الإسبان ترويج مبرر لغيابهم عن هذا الحدث الهام لمستقبل جيوش المنطقة، فقد ربطوا ذلك بغياب الميزانية اللازمة، لكنهم وقعوا في فخ التناقض عندما نظموا “مناورات استفزازية”، لا قيمة لها من الناحية العسكرية، قرب مدينة الحسيمة، حيث لم يكن أحد يتصور أن يستعمل الجيش الإسباني أسلوب الميلشيات وجنرالات قصر المرادية نفسه، علما أن محور الشر مازال مذعورا من المناورات المغربية الأمريكية التي شهدها البحر الأبيض المتوسط خلال شهر مارس الماضي، وشاركت فيها الفرقاطة المغربية الحربية طارق ابن زياد كرسالة إلى من يعنيهم الأمر.

الحقيقة أن إسبانيا لم تكن لتجد مكانا ضمن مناورات الأسد الإفريقي، وحتى لو طلبت المشاركة فستجد نفسها في تناقض صريح مع تصريحاتها وعملها المساند للطروحات الانفصالية في الخفاء. وهذه إحدى عيوب التقارب مع الميلشيات، التي لا تجلب سوى الفضائح، بسبب سوء تقدير الأوضاع، بخلاف الجيوش النظامية والدول العريقة التي تفضل تحريك الدبلوماسية بدل تحريك الجيوش.

ولأن التوهيم لم يصمد أمام الواقع، فقد حطت القوات الأمريكية بقطاع المحبس، وهو المكان نفسه الذي كانت تدعي ميلشيات البوليساريو أنها تقصفه صباح مساء وتلعب قربه لعبة “الشهب الاصطناعية” التي يروج لها الإعلام الجزائري باعتبارها غارات، والأمريكيون وباقي جيوش العالم يمكنهم أن يشهدوا من عين المكان على هذه الأكذوبة الجزائرية التي ترددت في الآونة الأخيرة.

ولأن الواقع لا يعلى عليه، فالجنرال الذي ينسق عمليات الأسد الإفريقي بالصحراء، هو نفسه الذي قاد عملية تحرير الكركرات من عناصر البوليساريو التي كانت تحاول التشويش على التجارة بين المغرب وإفريقيا، بل إن هذا الجنرال، فاروق بلخير، قائد المنطقة الجنوبية، يحسب له أنه طرد البوليساريو من بوابة الكركرات دون خسائر ودون الحاجة إلى إطلاق أي رصاصة، بتوجيهات من القائد الأعلى للجيش رئيس أركان الحرب العامة الملك محمد السادس.

الله، الوطن، الملك.

hespress.com