على غرار باقي بلدان العالم، تتميز الشيلي بإرث لغوي مهم جدا. سنعرج في هذا المقال على جزء مهم من هذا الغنى اللغوي والثقافي، نقصد الأمثال والتعابير المتداولة داخل هذا البلد؛ فمن بين الأمثال الأكثر شهرة واستعمالا في الشيلي نجد “a quien madruga, Dios le ayuda”، والذي يعني حرفيا “من يستيقظ مبكراً، الله يساعده”، أما المثل المقابل في اللغة العربية الفصحى والدارجة المغربية فهو على التوالي “باكر تسعد” و”الفياق بكري بالذهب مشري”، حيث يستخدم لتوضيح أنه لا يستحسن فعل الأشياء في وقت متأخر من اليوم أو تأجيلها إلى اليوم الموالي. وهناك مثل آخر يشير إلى الفكرة السابقة نفسها، “no dejes para mañana lo que puedes hacer hoy”، بمعنى “لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد” أو “خير البر عاجله”.

والمثل الآخر الشائع كذلك هو “a río revuelto, ganancia de pescadores” ، والذي يعني بشكل حرفي “النهر المضطرب، غنيمة الصيادين”، ومكافئ هذا المثل في اللغة العربية هو “مصائب قوم عند قوم فوائد”، والذي يشير إلى أولئك الأشخاص الذين يستغلون الفرصة لتحقيق مآرب شخصية عند حدوث حالة الفوضى أو الهرج والمرج. ويعتبر أصل هذا المثل حقيقي؛ لأنه فعلا عندما يكون النهر مضطربا يكون الصيد ممتازا، إذ يمكن اصطياد كمية هائلة من الأسماك.

تجدر الإشارة إلى أن هناك أيضا أشخاصا في الشيلي يميلون، في أوقات الشدة، إلى استخدام المقولة الآتية: “esto es por culpa de alguien”، “-وقع- هذا بسبب فلان”، وهناك مثل آخر يشبهه في المعنى“hay que echarle la culpa al chancho”، أو ما يعني حرفيا “عليك بإلقاء اللوم على الخنزير” أو ما نقوله بالدارجة المغربية “طاحت الصمعة، علقوا الحجام” أو “زلقت بيه رجليه، طيح الباطل على البلغة”،…. لأنه دائما يُعتقد أن هناك شخصا آخر خفي وراء كل الأشياء التي تحدث لنا كبشر.

خلال هذه الأيام العصيبة التي يمر منها الشعب الشيلي وباقي شعوب المعمورة أيضا، هناك عبارة يتم استخدامها باستمرار “estamos quemados”، “إننا نحترق”. إنه تعبير عن سوء الحظ، كما يشير إلى الإرهاق والتعب من أشياء كثيرة في هذه الحياة.

لا يزال المثل الشيلي موجودا إلى حد الساعة وبشكل كبير، على الرغم من أن الأجيال الشابة لا تستخدمه؛ لأنها ربما لا تعرف كل هذه الأمثال، أو ربما لأنها لا تفهم ولا تفقه معانيها الحقيقية. فقد أثّرت شبكات التواصل الاجتماعية واللوحات الإلكترونية والهواتف المحمولة الذكية بشكل سلبي على توظيف تلك الأمثال وتعلمها. في المقابل، لا يزال هناك الكثير من الناس في البلاد يتشبثون بها؛ لأنهم يفهمون الصلة بين الكلمات والأفعال، وما لها من تأثير هائل على تصرفات وسلوك الناس.

إن هذه الأمثال والتعبيرات المنتشرة والمتداولة هنا هي نتاج الحكم الشفهية التي جاء بها الجاليكيون والأندلسيون القدامى، الذين وصلوا إلى الشيلي منذ أكثر من 480 عاما، حيث تركوا تعابير متعددة يعود أصل البعض منها إلى الشعر الرومانسي والبعض الآخر مستورد من ثقافات أخرى؛ الشيء الذي ساهم بشكل ملحوظ في ثراء وغنى الكلمات في استخدامات ومعتقدات وعادات الشعب الشيلي.

ترك هذا التراث اللغوي والاجتماعي بصمة كبيرة على سكان الشيلي، ونلمس ذلك من خلال طريقة كلامهم، ووجب تسليط الضوء على هذا الأمر من خلال دراسة خاصة. في هذا الصدد، أتذكر الكاتب الألماني ذائع الصيت يوهان غوته (Johann Goethe) عندما استطاع، بفضل استخدام كلمات ولغة الساكنة الشعبية في ألمانيا، أن يصل إلى مستوى عال جدا كشاعر وكاتب.

تشير الدراسات الأكاديمية بشكل عام، على سبيل المثال، إلى أن الأندلسيين الذين جاؤوا إلى الشيلي كانوا يستخدمون أسلوب المبالغة (hipérbole) في لغتهم التواصلية اليومية، وورثّوا ذلك للأجيال؛ مما أدى، بفضل الجمع أو المزج بين الإمتاع والجمال، إلى بروز أسلوب مهم وشكل جديد ومتميز في التعبيرات.

إلا أنه، على الرغم من أن استخدام هذه التعبيرات ضئيل ومحدود في صفوف الشباب –كما أشرنا سابقا-، يعتبر من المهم دائمًا أن نتذكر ما كتبه الكتاب القدامى الذين استخدموا، بدورهم، الأمثال والحكم. قبل عقود قد خلت، استخدم الشاعر الروماني الكبير هوراسيو (Horacio)، صاحب المقولة المشهورة “Carpe Diem” (“اغتنم اللحظة” أو “اغتنم يومك”)، عبارات كثيرة انتقلت إلى هسبانيا (إسبانيا حاليا)، ثم بعد ذلك انطلقت من هنا لتنتشر عبر جميع أنحاء أمريكا اللاتينية وإفريقيا وآسيا.

hespress.com