تاركا الوضع الداخلي في البلاد ”مأزوما” في ظلّ غياب الرئيس “المريض”، واستمرار “التطاحن” بين الجنرالات، يصرّ الإعلام الجزائري على تصويب عدسات “الكاميرا” في اتّجاه المغرب ومصالحه الحيوية في الصّحراء، مستخدماً مختلف أساليب التّلاعب والتضليل والتشويه، ومتجاوزاً سقف ما تقتضيه أخلاقيات المهنة من ضوابط صارمة في التّعامل مع الأخبار.

وليس هذه المرّة الأولى التي تنشر فيها وسائل الإعلام الجزائرية الأكاذيب، خاصة بعد عملية تحرير الكركرات؛ فقد تحرّكت وسائل إعلام مقرّبة من النّظام العسكري في الجارة الشّرقية مثل جريدة الشّروق والبلاد، وأصبحت مخصّصة في مواجهة مصالح المغرب والترويج لأكاذيب بشأن اندلاع حرب في الصّحراء وسقوط ضحايا في صفوف القوات المسلحة الملكية.

وروّجت وسائل إعلام جزائرية، أخيرا، خبر قصف القوات المسلحة الملكية لمبنى يسكن فيه مدنيين صحراويين؛ ما أدى إلى وقوع خسائر مادية وبشرية، بينما أكّدت المعطيات الميدانية أن الأمر يتعلق بمبنى عسكري “مهجور”، استغلّته وسائل إعلام جزائرية لبث “صور” الدّمار الذي خلفته الحرب.

ويرى شرقي خطري، المحلّل المتخصّص في “البروباغاندا” والاتّصال السياسي، أنّ “وسائل الإعلام بمختلف أصنافها دوماً ما تلعب دورا أساسيا في التعاطي مع القضايا التي تهمّ الأمن القومي، وخاصة عند الإحساس بالخطر الجمعي؛ ولكن مع احترام أخلاقيات المهنة والضوابط المهنية، وتمت ملاحظة ابتعاد وسائل الإعلام بالجزائر عن هذه المسلمات عندما يتعلق الأمر بالمغرب”.

واعتبر المحلّل والخبير في الاتصال أنّ وسائل الإعلام الجزائرية صارت على المنوال نفسه عندما تعلق الأمر بالأحداث الأخيرة بالمنطقة العازلة وفتح الهيئات الدبلوماسية والموقف الأمريكي الجديد، حيث جرى استخدام مختلف أساليب التلاعب والتضليل والتشويه ونشر الأخبار الزائفة مع ما رافقها من تعبئة شاملة في المنظومات التواصلية لتوجيه الرأي العام.

وأردف المحلّل ذاته، في تصريح لهسبريس، أنّ “الإعلام الجزائري يحاول صناعة مخيال إعلامي قائم على شيطنة المغرب وسياساته باعتماد الممارسات الدعائية المكشوفة وآليات التلاعب والتضليل، حيث ألغت كل ما يتنافى ويتعارض مع مصالح الجزائر خدمة لأجندات خاصة للمؤسسة العسكرية الجزائرية في نطاق نموذج التلاعب the manipulative mode”.

هذا يبرز أيضا، حسب الجامعي، في إطار الحروب الإعلامية المفتوحة التي يتم فيها اغتيال الالتزام المهني، ويمكن النظر إلى منهج عرض المادة الإعلامية الخاصة بالمغرب في وسائل الإعلام الجزائرية كونه يتشكل وفق أجندات محددة سلفا ومضبوطة المفاصل باعتبار المغرب “عدو” كعقيدة لدى المتحكمين في الإعلام بالجزائر لمسايرة التوجه الرسمي الذي يجعل من سياساته وبرامجه الدبلوماسية تقويض وتنغيص استقرار المغرب.

وقال خطري بأنّ كل هذا أثبت ضعف مهنية ومصداقية عرض هذه المواد الإعلامية وانحصار تأثيرها بعد اظهار الحقائق النافية لها، مبرزا أن قراءة تعاطي وسائل الإعلام الجزائرية لمواد الخاصة بالمغرب تتميز بعنصرين؛ الأول عدم قدرتها على بلورة خطاب حجاجي مقنع قادر على صناعة مخيال إعلامي ومنتج وفق راسامیل مادية ورمزية همّها الوحيد تصريف الأزمة الداخلية إلى الخارج، وخاصة مع المغرب بسبب غياب الرئيس والحراك الشّعبي والاستعانة بحرس القديم من العشرية السوداء. والثاني، يستطرد المحلل، يتمثّل في ضعف مهني عبر انحصار وظيفة وسائل الإعلام يجعلها أداة دعاٸیة دون الاهتمام بالضوابط المهنية والأخلاقية ويجعل موادها دون مصداقية والتي تم إبرازها من خلال الكشف عن العديد من الأخبار الزائفة والمفبركة في البرامج الإعلامية الجزائرية حول المغرب.

وعليه، يشير المحلل، “فهذا يرتبط بالحرب النفسية التي تحاول أجرأتها على المغرب خاصة بعد تحويط مجالها الجیوسیاسي وصدمتها من المتغيرات الجديدة التي شهدتها المنطقة خلال هذه السنة، سواء تعلق الأمر بقضية الصحراء أو القضايا الإقليمية والدولية خصوصاً الملف اللّيبي والمالي والهجرة والإرهاب”.

hespress.com