حول دور الإبداع والثقافة في مواجهة التطرف وخطاب الكراهية، اجتمع فنانون وباحثون وإعلاميون وسياسيون، في ندوة نظمها مركز وعي، بالمقر المركزي لحزب التقدم والاشتراكية في الرباط.

وقالت فاطمة الإفريقي، إعلامية، إن من تمظهرات العنف وخطابه ما يحدث داخل مواقع التواصل الاجتماعي، أمس، التي تؤثر على الفن والثقافة وخطابهما، بعد الثورة العميقة التي عرفها العالم في العشرية الأخيرة، ومست الأفراد والمجتمعات وفضاءات المعلومة والتعبير المتحرر من الوصاية.

وتسلط الإفريقي الضوء على ما برز داخل فضاءات التواصل الاجتماعي من “خطاب فيه كثير من العنف والكراهية والتنمر والتجريح في الآخر والتدمير الرمزي له؛ وكأن وجودنا صار يشترط تدمير الآخر وإزالته من المشهد، وهو ما يكون الفنانون والمثقفون من بين ضحاياه”.

وقدمت المتحدثة مثالا بمشاجرة وقعت بين مواطنة والممثلة دنيا بوطازوت، و”الحقد والعنف المخيفين” اللذين عبرت عنهما تعليقات وآراء تفاعلت “مع حادثة بسيطة”. كما استحضرت ردود الفعل ضد “دعم الفنانين” الاستثنائي خلال جائحة “كورونا”؛ وهو ما تقدر أنه “يحتاج دراسات نفسية وسوسيولوجية، فحب الجمهور يتحول إلى كراهية غير مبررة على وسائل التواصل الاجتماعي، وأحيانا يكون الفنانون ضحايا، وأحيانا يكونون مساهمين في تأجيجه، ومن بين ذلك أمثلة وصلت إلى القضاء”.

وتقول الإعلامية المغربية إنه “يوما بعد يوم تتراجع أصوات المعرفة والموهبة والحكمة والعقل، أمام تنامي وظهور أسماء جديدة بدون رصيد معرفي أو مرجعيات أو مواهب، صارت هي المستأثرة بالمشهد، من مؤثرين جدد…”، وتزيد: “صرنا مكشوفين وعراة، وخصوصيتنا في ملك الفاعلين في المجال الرقمي، من ذواتنا ورغباتنا وأذواقنا وخصوصياتنا النفسية، عند الموافقة على شروط تحميل كل تطبيق للتواصل”.

وتضيف فاطمة الإفريقي: “الصورة صارت هي اللغة المهيمنة، ولم تعد علاقتنا بالعالم محكيات عقلانية في إطار دعامة صلبة هي اللغة، بل محكيات متلاشية عابرة عبر “سيلفيات”، “ستوريات” (تحديث حالة مرتبط بمواقع التواصل الاجتماعي)، وعلى المستوى الثقافي والفني خلخلت التحولات الرقمية جودة الثقافة، وقيمتها، وحواملها، ودرجات تأثيرها، وطرق تداولها، ونحن أمام بروز أنماط ثقافية جديدة، مع نهاية احتكار المؤسسة الثقافية والإعلامية، من تكوين يخرج الفنانين والمبدعين والكُتاب”.

وفي السياق نفسه، نبهت الإفريقي إلى ما كان من معايير صارمة لدعوة الفنانين، بناء على الكلمات والألحان والقيمة الفنية لأعمالهم وتكوينهم، وهو ما كان من انعكاساته مواجهة تعبيرات فنية جديدة رقابة صارمة من الإذاعة الوطنية، مثل “ناس الغيوان” و”الإخوان ميكري”؛ في حين نشهد اليوم “تراجعا في التراتبية الثقافية، فلم يعد هناك مرور من هذه المصفاة حتى تكون للفنان أهلية الولوج والظهور، وصارت الوفرة على حساب الجودة، وتدفق كبير للمضامين، إلى درجة عدم القدرة على متابعتها، مع حرية في الثقافة والفن”.

وتضيف الإعلامية المغربية مشرحة هذا التحول على مستوى المشهد الثقافي والفني: “لَم تعد السلطة للفاعلين التقليديين، من مؤسسات إعلامية وشركات للإنتاج والتوزيع؛ بل للإعجابات الرقمية، وصرنا نعيش شهرة سريعة وعابرة، في حرب متواصلة، ولم يعد مقياسها الاستحقاق أو التكوين أو الموهبة، بل آراء الناس وتعليقاتهم وإعجابهم، في انتقال من سلطة النقاد والإعلام إلى سلطة التعليقات الرقمية”.

ومن بين أوجه “العنف الرقمي”، وفق المتحدثة، أن وجود الفنان صار مرتبطا بـ”تدمير الآخر، بوجه مكشوف أو من خلف الستار، أو عبر الذباب الإلكتروني، وجيوش المعجبين”، في حرب، يوجد فيها “قتلى وجرحى ودمار”، ونجوم يصعدون وآخرون ينزلون “في فوضى مدمرة، داخل منصات مفتوحة للجميع، من عقلاء وحمقى، حيث يوجد خطاب عنف وكراهية وتعليقات جارحة تتجاوز كل الحدود، وعنف حتى على الأموات، بنشر صور خاصة، حتى ولو نشرت بحسن نية”.

يحدث كل هذا، ويساهم فيه الجميع بالمتابعات والإعجابات، علما أن “الفن محبة”، حسب الإفريقي، التي تسترسل قائلة: “لن أصدقك كشاعر وكاتب إذا كنت عنيفا في لغتك اليومية وقاسيا مع زوجتك وأبنائك (…) والأعمال الخالدة هي التي حملت قيم المحبة والتسامح والجمال”، قبل أن تجمل مراهنة على الحاجة إلى “التربية الفنية”؛ لأن “مجرد تربية الأبناء على المسرح والموسيقى منذ الصغر يعطيهم مناعة، وحسا للتفريق بين الغث والسمين”.

hespress.com