دخلت مجموعة من الأحزاب السياسية في منافسة شرسة من أجل استقطاب الوجوه السياسية “الشهيرة”، لرفع نسبة حظوظ حصولها على مقاعد بالمجالس الجماعية والدوائر البرلمانية خلال الاستحقاقات الانتخابية التي سيشهدها المغرب خلال السنة الجارية.
وقال رشيد لبكر، المحلل السياسي والأستاذ الجامعي، إن “قضية الاستقطاب ظاهرة تميز الحياة السياسية المغربية غداة أي سباق انتخابي؛ وذلك راجع إلى ضعف الأحزاب المغربية، أو بعضها على الأقل، وعدم قدرتها النسبية على تكوين أطر سياسية محلية تستطيع الحصول على الأصوات الكافية للظفر بالمقاعد الانتخابية دون الاستعانة بأطر خارج الحزب”.
وأضاف لبكر في تصريح لهسبريس: “لا أعتقد أن المشكل متعلق فقط بمدى قدرة هذه الأحزاب على إفراز نخب من رحمها، قادرة على النهوض بمهمة التمثيل؛ ولكن المشكل يتعلق بأسباب أخرى لها علاقة بالديمقراطية السائدة داخل هذه الأحزاب، وبشفافية الترقي داخل هياكلها واحترام الكفاءات التي تعج بها، فضلا عن اعتقاد قيادات هذه الأحزاب بأن رهان كسب المقعد الانتخابي لا يتعلق بالكفاءة التعليمية أو المهنية أو التأطيرية ، بل هو مرتبط أساسا ببعض المواصفات الخاصة التي يتمتع بعض المرشحين”.
وتابع المحلل السياسي والأستاذ الجامعي: “هذه المواصفات هي مواصفات تستجيب لخصوصيات المنافسة الانتخابية ببلادنا، حيث تتراجع الكفاءة وتتقدم بدلا عنها القدرة الخاصة لدى هؤلاء المرشحين على التأثير في الناخبين وكسب المقعد”، مشددا على أنه “لا علاقة لهذا التأثير بقدرة هؤلاء المرشحين الإقناعية أو بمستوى خطابهم أو حتى بقيمة الأفكار التي يبشرون بها أو البرامج التي يقترحونها؛ ولكن الأمر يتعلق أساسا بالاحترافية التي اكتسبوها في التأثير، سواء عبر تجارب ذاتية من خلال استئناسهم بالأجواء الانتخابية التي أضحت ملازمة لبعض العائلات أو عبر اللجوء إلى خدمات ممتهني بعص الحرف الانتخابية الذين يظهرون كل موسم عارضين خدماتهم لمن يدفع أكثر ولا سيما في العالم القروي”.
وواصل المتحدث في التصريح ذاته لهسبريس: “كل ما ذكرته يظل مرتبطا بنوع خاص من (الديمقراطية) له علاقة بالمقدرة المالية والجاه والغنى، ولا علاقة له البتة بالممارسة الديمقراطية كالتي ندرسها للطلبة، والدليل هو أن الباحث ذا الكفاءة العلمية المرموقة لا يمكنه أن يجابه في النزال الانتخابي، بغض النظر عن درجته، ترابيا أو برلمانيا، (مول الشكارة)؛ ولو كان حظه من التعليم لا يتعدى الشهادة الابتدائية، وهذا واقع يجب الاعتراف به”.
وقال لبكر: “الكل واع بهذا الوضع؛ ولكن لا أحد يستطيع تغييره، لأنه مع الأسف يتم وفق غطاء ديمقراطي على أية حال.. لذلك، فلا عجب إذا رأينا انطلاقة هذا السباق المحموم بين الأحزاب المغربية لاستقطاب أو استمالة بعض الوجوه إلى صفوفها، ليس لأنها مؤمنة بكفاءتها إطلاقا، ولكن لأن عينها على المقعد المضمون بوجود هذا الوجه أو ذاك ضمن صفوفها”.
وواصل الأستاذ الجامعي ذاته: “طبعا، قوة الحزب عندنا تقاس بعدد المقاعد التي حاز عليها وليس بمدى احترام هذه الهيئة السياسية للمنهجية الديمقراطية ولاختبارات المناضلين.. وهذا بظني عامل إضعاف للحزب على المدى الطويل؛ لأن هذا السلوك ولد نوع من الانتهازية لدى بعض صيادي المقاعد، بحيث أضحى الواحد منهم (تيبيع اشبابو غغال) كما يقول المثل المغربي، وأصبح هو من يملي شروطه على الحزب، ليقينه بأنه هو المطلوب وليس الطالب، وبالتالي فمن السهل عليه تغيير جلده لمن يقدم إغراءات أكبر، لأن ارتباطه بالحزب الذي يمثله ارتباط غير مؤسس في الأصل، فليس هناك قناعة إيديولوجية مشتركة أو برنامج عمل موافق عليه، فكل شيء مبني على المصالح، ومن السهل تغيير المواقف إذا تم تهديد المصالح”.
وأكد المحلل السياسي أنه “لا ينبغي أن نستغرب إزاء عزوف المواطن عن المشاركة الانتخابية؛ لأنه عزوف مؤسس وله ما يبرره.. يكفي أن الموطن يرى الأحزاب تتسابق من أجل مصالحها ولا تتحرك في منح تزكياتها لمن لا يرى مشكلا في بيع مواقفه لرعاية هذه المصالح، ليبني هذا المواطن اقتناعه بأن كل شيء تحركه المصالح. هذا هو الواقع مع الأسف”.
وتابع المتحدث ذاته: “عطفا على ما سبق، أقول إنه حان الوقت لفتح نقاش جدي وجاد حول مفهوم الديمقراطية التي نريد، ديمقراطية الاستحقاق أم المقعد، وأن نناقش هذه الظاهر بعمق وجدية، ولي ثقة بأن ذكاءنا الجماعي قادر على محاربة هذا الاسترزاق السياسي الذي نما وترعرع بوجود أرضية (فاسدة) دلست على قدسية التمثيل النيابي باسم ديمقراطية الواجهة”.