كان لافتاً أن يتزامن قرار تأجيل القمّة الإسبانية المغربية مع إعلان الإدارة الأمريكية اعترافها الكلّي بسيادة المملكة على الصّحراء، إذ جاء نبأ تأجيل القمّة، التي كان من المقرّر عقدها في 17 دجنبر الجاري، بعد ثلاث ساعات فقط من تلقّي الرباط دعمًا دوليّا من أحد شركائها التّاريخيين، الولايات المتحدة.

وإذا كان البعض ذهب في تحليله لأسباب تأجيل القمّة المغربية الإسبانية إلى فبراير المقبل إلى ربط هذا المستجدّ بتحرّكات نائب رئيس وزراء إسبانيا، بابلو إغليسياس، الذي كان ينوي الاتّصال بموالين لجبهة البّوليساريو، فإن هناك بواعث أخرى مرتبطة بسياق التأجيل، أهمّها الموقف الأمريكي الذي أقرّ بمغربية الصّحراء.

وتعترف الأوساط الإسبانية بأنّ الخطوة الأمريكية وتمدّد المغرب في الصّحراء يزيدان من إضعاف موقف مدريد على المستوى الإقليمي، وقبل كل شيء، كمفاوض مع الرّباط؛ بحيث سيمكّن القرار الأمريكي من حصول المغرب على طائرات F 35 الجديدة المتفوقة كلّياً على مقاتلة Eurofighter التابعة للجيش الإسباني.

وأوردت مصادر إسبانية أنّ الرباط تحظى أيضًا بدعم لندن لعزل إسبانيا بشأن قضية الصحراء؛ “فبمجرد اكتمال خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي من المتوقع توسيع الاتفاقيات العسكرية والأمنية مع المغرب”، وفقا لما نقلته صحيفة “إسبانيول”.

ويسود انقسام كبير داخل حكومة سانشيز حول قضية الصّحراء، إذ يستخدم نائب الرئيس إغليسياس النّزاع الصحراوي لإضعاف شريكه في الحكومة، بيدرو سانشيز، وهو ما أدّى في النّهاية إلى طلب تأجيل القمّة الدّبلوماسية إلى تاريخ آخر.

وتحاول الدّبلوماسية الإسبانية تدارك الموقف، بحيث طارت وزيرة الخارجية الإسبانية، أرانشا غونزاليس لايا، في زيارة رسمية إلى إسرائيل وفلسطين، حيث كررت عبر حسابها على “تويتر” التزام الحكومة بـ”احترام مبادئ وقرارات الأمم المتحدة”.

ويرى المحلل السياسي هشام معتضد أنّ تأجيل القمة المشتركة بين المغرب وإسبانيا جاء مباشرة بعد إعلان الرئيس الأمريكي اعتراف إدارته بسيادة المغرب على كامل أراضي الصحراء المغربية، وهو ما أربك حسابات الحكومة الإسبانية وانتظاراتها من الاجتماع رفيع المستوى”.

وقال المحلل ذاته إنّ “هذا التأجيل المرتبط خاصة بموقف الولايات المتحدة في ملف الصحراء سيوفر للحكومة الإسبانية المزيد من الوقت لترتيب أفكارها، وإعادة حساباتها السياسية في تعاملها مع الرباط في ملف الصحراء، خاصة أنّ لمدريد مسؤولية سياسية وتاريخية في إرث هذا النزاع المشترك”.

وأضاف معتضد أنّ “مكونات الحكومة الإسبانية ليست لها الخطابات السياسية نفسها تجاه هذا النزاع الإقليمي، رغم الموقف السيادي للدولة الإسبانية الداعم لقرارات الأمم المتحدة في هذا الشأن”، وزاد: “رئيس الحكومة الإسبانية طلب تأجيل هذه القمة المشتركة تحت ضغط القرار الأمريكي لأن موضوع الصحراء تعتبره مدريد دائما محورا إستراتيجيا في علاقاتها السياسية والدبلوماسية مع الرباط”.

واعتبر المتحدث ذاته أنّ “الدولة الإسبانية مطالبة الآن وأكثر من أي وقت مضى بأخذ موقف أكثر وضوحا في ملف الصحراء، يترجمه فعل ميداني على غرار العديد من الدول التي تحملت مسؤوليتها السياسية والقانونية أمام هذا النزاع الإقليمي بفتح تمثيليات دبلوماسية لها في الجنوب الغربي المغربي”.

وأردف المحلل بأنّ “الموقف الأمريكي تجاه مغربية الصحراء سيحرج الدولة الإسبانية أمام المنتظم الدولي إن تأخرت في اتخاذ موقف واضح مبني على انخراطها الفعَّال في هذا الملف؛ فالمواقف حبيسة الخطابات السياسية ورهينة المنصات الدبلوماسية بدون ترجمتها إلى رمز دبلوماسي ميداني تبقى غير وازنة وبدون قيمة مضافة، من المنظور الشرعي للقانون الدولي”.

hespress.com