في أعقاب التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط لاسيما بعد اعتراف الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان بدولة إسرائيل، تبنى المغرب نهجًا عمليًا مماثلاً في قراره باستئناف العلاقات الثنائية مع إسرائيل مُقابل اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة المغربية على صحرائه.

أقام المغرب علاقات دبلوماسية مع إسرائيل لأول مرة في عام 1994 وقطعها عام 2002 بعد الانتفاضة الثانية. واليوم، تقديرًا للمغرب كحليف قديم، قررت الولايات المتحدة يوم السبت 12 ديسمبر الماضي فتح قنصلية لها بمدينة الداخلة، إحدى المدن الرئيسية في الصحراء المغربية.

وقد أنشأت عشرون دولة صديقة قُنصليات في مدينتي العيون والداخلة. وبينما رحبت فرنسا ومصر والإمارات والبحرين بالاتفاق، احتجت الجزائر على ذلك، وأعربت إسبانيا عن تحفظاتها مُدعية أن الأمم المتحدة هي التي ينبغي أن تحل هذا النزاع.

اعتبرت إدارة ترامب، التي توسطت قبل ستة أشهر في توقيع اتفاقيات مماثلة مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان، التسوية المغربية المُتمثلة في توسيع نطاق الحكم الذاتي للصحراء أمرًا جادًا وموثوقًا ويمكن أن يُشكل قاعدة صلبة للمفاوضات والسلام الدائم.

تاريخيا، ينبغي الإشارة إلى قرار إسبانيا بالتخلي عن الصحراء الغربية في عام 1975 بعد أن أكدت محكمة لاهاي الدولية وجود روابط ولاء بين سكان الصحراء والنظام الملكي المغربي منذ القدم. لكن أصبحت هذه المنطقة محل نزاع، بعد المسيرة الخضراء المظفرة وفرض المغرب سُلطته على الإقليم، مع مطالبة جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر بالاستقلال. وانتهت الحرب بين الجانبين بوقف إطلاق النار في عام 1991، ولم تنجح الجهود المُستمرة لحل النزاع.

على الرغم من أن الأمين العام أنطونيو غوتيريش أشار إلى أن الأمم المتحدة لن تغير رأيها في التعامل مع مشكلة الصحراء، إلا أن الأمم المتحدة نفسها وصفت اقتراح المغرب بالحكم الذاتي بأنه جدير بالثقة وواقعي وجدي، وأصرّت على أن حل هذا الصراع ينبغي أن يتم عن طريق المفاوضات بين الأطراف المعنية.

رداً على الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء وإحياء العلاقات المغربية الإسرائيلية، صرح حزب العدالة والتنمية (الحزب الإسلامي الحاكم) أن هذه الاتفاقية مُهمة، حيث ستساهم في “فتح آفاق جديدة لتعزيز الموقف المغربي في الأوساط الدولية”.

ومن ناحية أخرى، عمل الحزب على تجديد موقفه فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مُشيرًا إلى “موقفه الثابت تجاه الاحتلال الصهيوني والجرائم التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني، بما في ذلك الهجمات المُستمرة على المسجد الأقصى، فضلاً عن مصادرة الأراضي الفلسطينية”.

في الواقع، يُمهد الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء المغربية وقرار المغرب بإحياء العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل الطريق لتعاون واستثمارات جديدة في المنطقة. ولكونه البلد الإفريقي الوحيد الذي له اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة، سيستفيد المغرب من هذه الاتفاقية باعتباره رائدا اقتصاديًا في شمال وغرب إفريقيا، ويُكافح من أجل القضاء على الإرهاب في المنطقة.

من ناحية أخرى، أشارت صحيفة واشنطن بوست في السابع عشر من ديسمبر 2020 إلى أن قضية السلام مع إسرائيل تستحق الاهتمام حقًا، لكن فوائد خطوات التطبيع مع إسرائيل ستفشل إذا لم تحل هذه الأخيرة الصراع مع جيرانها المباشرين، أي الفلسطينيين. اتفاقيات التطبيع مع الدول العربية لن تكون بديلا لحل حقيقي ونهائي مع الفلسطينيين. وسيبقى مستقبل إسرائيل كدولة يهودية في خطر دائم ما دام الفلسطينيون تحت الاحتلال.

ومع ذلك، فإن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل لن يؤثر سلبًا على العلاقة بين المغرب والسلطة الفلسطينية على المدى الطويل، نظرًا إلى أن المغرب كان وما يزال حريصا على دعم الشعب الفلسطيني في قضيته العادلة، وخاصة المقدسيين، في الحفاظ على التراث الإسلامي للمدينة المُقدسة وحرمة المسجد الأقصى، من خلال صندوق القدس الذي أنشأه المغرب ويدعمه مالياً وبقوة.

كما أن المغرب مُلتزم أكثر من أي وقت مضى بحل الدولتين، مع القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، وهو موقف سيواصل الدفاع عنه من خلال لجنة القدس برئاسة العاهل المغربي.

من جهة أخرى، هناك حاجة ماسة اليوم إلى إعادة توحيد صفوف الفلسطينيين. في ظل هذه التطورات الكبيرة التي يشهدها العالم، من غير المنطقي أن تظل حماس محصورة في قطاع غزة، بعيداً عن أي حوار جاد مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. يتعين على الفلسطينيين إنهاء هذا الصراع الداخلي الذي استمر لفترة طويلة وأضعف دور فلسطين بالداخل والخارج ولاسيما في المفاوضات مع إسرائيل وأمريكا.

وعلى الرغم من أن الاتفاقية الثلاثية بين المغرب وأمريكا وإسرائيل جاءت في سياق الانتخابات الأمريكية الأخيرة، فمن المؤكد أنها نقطة تحول رئيسية للمنطقة على الصعيدين السياسي والاقتصادي حيث ستجد إدارة جو بايدن صعوبة في تغييرها.

ويعول خصوم المغرب، وخصوصا اللوبي الأمريكي الذي يعمل لصالح الجزائر، على إقناع فريق الرئيس الأمريكي الجديد، جو بايدن بالتراجع عن الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء تحت مبرر الحفاظ على المصالح مع الجزائر، في وقت تبدي الرباط ثقتها في الشراكة الاستثنائية التي ظلت تجمعها مع واشنطن بتعاقب جميع الإدارات الأمريكية، سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية.

وأشاد وزير الخارجية في إدارة بايدن، أنتوني بلنكن مؤخرا، في كلمة ألقاها أمام مجلس الشيوخ الأمريكي بـ”اتفاقات إبراهيم”، التي أبرمتها إدارة الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب بين إسرائيل وعدة دول عربية منها المغرب. وتعهد بأن تعمل إدارة بايدن على البناء على اتفاقات السلام بين إسرائيل والدول العربية.

كما ذكرت مصادر موثوقة داخل الحزب الديمقراطي أن جو بايدن استقبل بترحيب كبير الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء وكذا قرار المغرب إعادة علاقاته مع إسرائيل، وأن إدارته تعتبر المملكة حليفا أساسيا يمكن الاعتماد عليه كمحاور رئيسي بمنطقة شمال إفريقيا، مستبعدة بذلك أي نية لدى الإدارة الجديدة للتراجع عن قرار الإدارة السابقة.

hespress.com