خلال مدة وجيزة لا تتجاوز السنتين من تأسيسها، كرست جمعية البصيرة للمكفوفين وضعاف البصر بالشرق، باعتبارها أوّل جمعية تشتغل في ميدان الإعاقة البصرية بالناظور، اهتمامها وأنشطتها وأعمالها لمساعدة المكفوفين وضعاف البصر في التعليم والتكوين وتسهيل سبل الاندماج في الحياة العامة، من خلال مختلف الآليات والأدوات والوسائل الخاصة، وبتوفير سبل الدعم والتأهيل والمساعدة الاجتماعية، بشراكة مع عدد من الفاعلين داخل وخارج الوطن.
فكرة تأسيس الجمعية
تأسست جمعية البصيرة للمكفوفين وضعاف البصرة بجهة الشرق بتاريخ الـ27 من شهر شتنبر سنة 2018، واتخذت لنفسها مقرا مؤقتا بالمركب السوسيو-تربوي بالناظور، قبل أن تستقر في مقرها الرسمي الكائن بشارع 3 مارس وسط المدينة، وهو عبارة عن مركز خاص بالمكفوفين.
وتمخضت فكرة تأسيس الجمعية عن هاجس جماعي لعدد من المكفوفين بالناظور، انطلقوا من إملاءات تجارب شخصية لواقع المعاناة التي تعيشها هذه الفئة على مستوى صعوبة الاندماج في الحياة الاجتماعية، خاصة للفئات التي تطالها الإعاقة البصرية في سن متأخر، لتأسيس جمعية تحضن المكفوفين بالناظور.
يقول إسماعيل رشدي، رئيس جمعية البصيرة، “يعيش عدد كبير من المكفوفين حرمانا من التعليم والتكوين لصعوبة مواكبة العملية، ومن أجل هؤلاء أساسا، ولمساعدتهم على تجاوز الوضع، أسسنا جمعية البصيرة نحن المكفوفين، وتقاسمنا الفكرة مع أصدقائها الفاعلين الجمعويين بالناظور الذين يشتغلون في ميادين أخرى، فتلقينا مساعدة ودعما حفزنا أكثر على الاستمرار في هذا العمل”.
جولة في مركز البصيرة
يضم المركز قاعة خاصة بالتدريس والمطالعة مزودة بالطاولات والكراسي والكتب وأدوات الدراسة ولُعب مساعدة للأطفال، إلى جانب قاعة أخرى مزودة بالحواسيب المعدة أساسا لاستخدام المكفوفين، إضافة إلى طاولة تعرض مختلف الأجهزة التقليدية والحديثة والأدوات التقنية والتدريبية والتربوية والتكنولوجية الخاصة بالمكفوفين.
وعلى الجانب الأيسر، يقع مكتب رئيس الجمعية الذي يضم آلة طابعة متطورة على طريقة “برايل”، يحول من خلالها المستخدمُ سندا مكتوبا بالحروف العادية على ملف “وورد” أو “بي دي إف”، من خلال جهاز الحاسوب أو الهاتف، إلى وثيقة مكتوبة بحروف “برايل”، ويُعتمد إلى حد الآن على الجهاز الوحيد المتواجد في الجمعية في طباعة مختلف الوثائق المقدمة للمكفوفين بالمركز.
يقول رشدي: “تمكنت جمعية البصيرة من الحصول على هذه الأجهزة المهمة الخاصة بالمكفوفين بفضل مساعدات قدمت على شكل هبات من جمعية BeMyVision الهولندية، التي ترأسها الفاعلة الجمعوية عالية جربوع”، مضيفًا أن “الجمعية تلقت وعودا بتزويدها بأجهزة أخرى أكثر تطورا في القريب العاجل من طرف الجمعية ذاتها”.
وعن الطابعة الوحيدة الموجودة في المركز، قال إسماعيل إن “الجمعية تعتمد عليها أساسا في استخراج مختلف الوثائق التي تضم الدروس المقدمة في أنشطة الجمعية، وكذا مطبوعات الطلبة المكفوفين، التي تسهل عليهم الاطلاع على مختلف الدروس والمحاضرات ومراجعتها”، مؤكدا أن “الجمعية تتطلع إلى التزود بطابعة أخرى لتوسيع عملية طباعة الوثائق المكتوبة بطريقة “برايل” لصالح أكبر عدد من المستفيدين من المكفوفين”.
أهداف الجمعية
سطرت الجمعية مجموعة من الأهداف والغايات؛ تتمثل أساسا في العمل على إدماج المكفوفين وضعاف البصر في الحياة العامة، وتقديم كل أنشطة الدعم المادي والمعنوي لفائدتهم وفق الإمكانات المتاحة، وكذا تنظيم أنشطة فنية ورياضية وثقافية، مع تقديم خدمات تعليمية للمكفوفين غير المتمدرسين في إطار مشروع محو الأمية، والعمل على مساعدة المكفوفين في العالم القروي، وإخراجهم من الأوضاع الصعبة، ومد يد العون لهم على المستوى النفسي والاجتماعي.
كما تعمل الجمعية على التنسيق مع كل الجهات ذات العلاقة، لاستفادة هذه الفئة من مختلف الخدمات الممكنة، وإعداد وإنجاز مشاريع تنموية مدرة للدخل لفائدة الجمعية وللمكفوفين، وتنمية مواهب الفرد الكفيف ودفعه للإبداع واستثمار مواهبه وملكاته الفطرية والمكتسبة، وإتاحة المزيد من مصادر المعلومات لهذه الفئة، من خلال توفيرها بالطرق المناسبة (برايل، التسجيل الصوتي، برامج قارئات الشاشة للحاسب الآلي…).
إضافة إلى ذلك، تسعى جمعية البصيرة إلى توفير الأجهزة التعويضية والمعينات البصرية، وتقديم الإرشادات بشأن اختيار الأنسب منها، والتعاون من أجل توفيرها بأسعار رمزية أو مجانا، والتعاون مع الجمعيات التي لها الأهداف نفسها.
أنشطة داخل المركز
تعمل جمعية البصيرة على ضم عدد من المنخرطين الذين يستفيدون يوميا من أنشطة مختلفة، انطلاقا مما توفره الجمعية من أدوات وآليات ومعينات بصرية وأجهزة إلكترونية، وتتطلع الجمعية إلى توسيع أنشطتها لتتحول إلى مركز يضم مختلف الأنشطة التعليمية التعلمية لفائدة المكفوفين بأدوات أكثر تطورا ومرونة في الاستعمال.
ويردف إسماعيل رشدي: “يتردد على مركز البصيرة، التي تضم إلى حد الآن 40 منخرطا، العشرات من المستفيدين من خدماتها بشكل يومي من مختلف الأعمار، وتقدم لهم أنشطة من قبيل المساعدة على القراءة والكتابة وفق طريقة “برايل” وكيفية استخدام الهواتف والحواسيب، والتعامل مع بعض الأدوات الضرورية في الحياة العادية”.
ويضيف المتحدث قائلا: “نعمل على تعليم المستفيدين في المركز طريقة “برايل” والمعلوميات الخاصة بالمكفوفين وتقوية حاستي السمع واللمس لديهم، وتعويدهم على التحرك بطريقة طبيعية، والاعتماد على الذات في الحصول على المعلومات، وقضاء بعض الأغراض الضرورية، وتقليص حيز مساعدة الغير لإكساب المكفوف قدرا أكبرا من الاستقلالية”.
آليات ووسائل تفعيل الأهداف
لتحقيق أهدافها، وضعت جمعية البصيرة خطة عمل عامة، تروم عقد شراكات مع المجالس المنتخبة والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية الوطنية والدولية، والتنسيق مع الجمعيات المهتمة محليا ووطنيا ودوليا، وتمثيل ذوي الإعاقة البصرية بشرق المملكة المغربية في مختلف المناسبات والفعاليات التي تعنى بهم وطنيا ودوليا.
كما تسعى الجمعية أيضا إلى استقطاب الخدمات التطوعية من أبناء المجتمع، الراغبين في مساعدة هذه الفئة وتنظيم لقاءات ومحاضرات ورحلات، إضافة إلى التنسيق والشراكة مع جمعيات أوروبية تنشط في مجال الإعاقة البصرية.
أنشطة مستقبلية
عن الأنشطة المستقبلية التي تسعى جمعية البصيرة إلى تحقيقها، يقول محمد سوط، الكاتب العام للجمعية ومنسق العمل المشترك، “نسعى حاليا إلى توسيع شراكتنا مع جمعية BeMyVision الهولندية وجمعيات أخرى، لتنظيم أنشطة في مجالات مختلفة لفائدة المكفوفين في الإقليم. كما نهدف إلى ضم أكبر عدد من المستفيدين داخل المقر، وكذا توفير وسيلة نقل دائمة لفائدة المنخرطين خلال ترددهم اليومي على المركز”.
وأبرز سوط أن الجمعية تعمل على تزويد المقر بمزيد من الآليات والأجهزة المتطورة التي ستساعد أكبر عدد من المستفيدين من المكفوفين، إلى جانب الاستمرار في تنظيم حملات خيرية لتوزيع مساعدات إنسانية وعصي متطورة لفائدة المكفوفين، على غرار الحملة الأخيرة التي نظمتها الجمعية.
في يتعلّق بالاتفاقيات، يضيف المتحدث، وقعت الجمعية اتفاقية شراكة مع المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية بالناظور، لمواكبة مستجدات منظومة التعليم الوطنية.