يعيش حزب الأصالة والمعاصرة على وقع انشقاقات، وتصدعات عديدة وانسحابات بعدد من الفروع على الصعيد الوطني، كانت أقساها النزوحُ الجماعي الذي قاده حميد نرجس، أحد مؤسسي الحزب بقلعته الرحامنة التي خرج من رحمها.

ومع دنو موعد الاستحقاقات الانتخابية، ويوما تلو آخر، تظهر الأعطاب على “جرار” عبد اللطيف وهبي، وتطفو على السطح انسحابات لأسماء بارزة كانت تشكل حتى وقت قريب دعامة أساسية له بجهات وأقاليم عدة.

انسحاب حميد نرجس ومعه برلمانيان والعشرات من الرؤساء والمنتخبين بالرحامنة، معقل نشأة “البام”، وطرد الحزب لبرلمانيين بمناطق أخرى، وقبل ذلك إعلان قيادات محلية انسحابها من الحزب واستقالتها من المسؤوليات التي كانت تتقلدها باسمه، يجعل من ثاني قوة بمجلس النواب تدخل معركة الانتخابات بجسد منهك بالصراعات والتطاحن، ما يجعله بالتالي غير قادر على ضمان المرتبة الثانية التي احتلها في تشريعيات 2016 أمام وجود فاعل قوي ممثل في حزب التجمع الوطني للأحرار الراغب في تصدر انتخابات 2021.

هذه الانسحابات والصراعات داخل حزب طالما اتهم من لدن خصومه بكونه “حزب الدولة”، في إشارة إلى مؤسسه السابق فؤاد عالي الهمة قبل أن يصير مستشارا ملكيا ويطلق الحزب، يرى فيها باحثون بداية لنهاية “الوافد الجديد”، كما كان يطلق عليه، ليصير حجمه مثل باقي الأحزاب التي سبق له “التهام” أعضاء منها.

تحصين المؤسسة الحزبية

يرى محمد بنجلون التويمي، برلماني قيادي بارز في صفوف حزب الأصالة والمعاصرة، أن الاستغناء عن الحزب ومشروعه “أمر مستبعد. لا يمكن التخلي عنه”.

وأوضح التويمي في تصريح لجريدة هـسبريس الإلكترونية أن الحزب “لا يمكن الاستغناء عنه لأنه مشروع تشكل من أناس حقوقيين لهم نظرة استشرافية للمستقبل، ويضم عددا من الفاعلين والكفاءات المهمة التي تنشد الديمقراطية والحداثة”.

وأردف بأن حزب “الجرار” يضم مكونات تتوفر على الكفاءة، لذلك “لا يمكن التخلي عن المشروع، والبلاد برمتها لا يمكنها التخلي عنه”، مشيرا إلى وجود “تجارب عديدة مرت، لكن تجربة البام يجب أن تستمر لأن عددا من المواطنين يرون أنفسهم في هذا المشروع”.

وحول ما إذا كان الرهان على حزب التجمع الوطني للأحرار وليس حزب الأصالة والمعاصرة، أوضح القيادي المذكور أن “لكل حزب خصوصياته، نحن لا يمكن أن نكون ليبراليين أو اشتراكيين مائة بالمائة”، معتبرا أنه “لا يمكن الاقتصار على مشروع واحد، وإنما إدماج مشاريع للإقلاع في جميع المناحي”.

وبخصوص التطاحن والانسحابات التي يعرفها “البام” خلال هذه الفترة، أقر عضو المجلس الوطني للحزب بأن “هناك بعض المرشحين يحاولون فرض وجهات نظر، وهذا يخلق صعوبة في التوافق، ولذلك تتخذ إجراءات مؤلمة في ظل غياب بديل لها”.

وأضاف: “هناك إجراءات لتحصين المؤسسة الحزبية، ويصعب أن يفرض الكل ذاته وسط الحزب وأن يتم التحكم في عدد من الأفكار والتصورات، لذلك تكون هناك تجاذبات”، مبديا تفاؤله بأن “البام” يمكن أن يكون قوة في المستقبل.

مرحلة مخاض

أحمد البوز، أستاذ العلوم السياسية، قال إن “الانسحابات والتصدعات عادة ما ترتبط بالانتخابات؛ إذ تعرف الأحزاب مع دنو موعد كل انتخابات، رجة وعملية خروج جماعي وفردي، وردود فعل مرتبطة بالتزكيات ومحاولات البحث عن أماكن دافئة للتعبير عن الذات والظفر بالمنصب البرلماني”.

ولفت أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بكلية الحقوق السويسي بالرباط إلى أن ما يعيشه حزب الأصالة والمعاصرة، “وبالنظر إلى حجم الأشخاص المعنيين بالقرارات، فقد أعطى انطباعا وكأن هذه الظاهرة خاصة بالحزب، وأعتقد أنه لا يمكن اعتبارها مسألة شاذة، لأنها تعكس ثلاثة أمور أساسية”.

أولا، يورد الأستاذ البوز في تصريحه لجريدة هـسبريس الالكترونية، أن الحزب “يعيش منذ مدة تداعيات ما يمكن تسميته بالولادة غير الطبيعية التي خرج منها، والظروف التي جاء من أجلها، حيث كانت الولادة تعبيرا عن طموحات سياسية من مختلف الأطياف”.

وأضاف أن الحزب يعيش “مرحلة مخاض محاولات للتخلص من عقدة الولادة ليصبح حزبا طبيعيا، ودفن الماضي والتخلص من التراث الذي يربطه بالدولة، وفرض نفسه كما لو أنه حزب طبيعي. وهذا الأمر تكرس مع الأمين العام الجديد الذي يجسد جزءا نسبيا من اليسار ويقترب من اليمين والأعيان الذين يمثلون نفوذا انتخابيا”.

وبحسب المتحدث، ففي الفترة القصيرة الأخيرة “كنا نعيش على إيقاع فرضه سؤال: من يشكل بديلا للعدالة والتنمية في ظل الرغبة من طرف الأوساط بضرورة انتهاء تجربته؟”.

وأوضح الباحث بجامعة محمد الخامس بالرباط أن ما نعيشه اليوم “هو اتجاه داخل الحزب بأن الرهان على التجمع الوطني للأحرار، لأن الرهان على البام مكلف بعد تجربة 2016، وكل محاولة للرهان عليه اليوم هي لرد الاعتبار، وستكون لها كلفة سياسية”.

وحول ما إذا كانت الأوضاع التي يعيشها “البام” بمثابة نهايته، رد البوز بأن “الأحزاب التي من هذا النوع لا تعيش حياة طبيعية في كل وقت ولا تموت، حيث تبقى احتياطا سياسيا يتم اللجوء والاستعانة به في كل لحظة، ولا تموت حتى ولو كانت تسوق نفس الخطاب لكنها تظل مستمرة”، بيد أنه لفت إلى كونها “قد تخضع لنوع من الريجيم السياسي”.

وشدد على أن هذه المرحلة “ليست مرحلة البام، حيث تم الرهان عليه سابقا ويبدو أنه فشل في ذلك، وهناك ترتيبات تجري أميل وأكثر تحمسا للرهان على التجمع الوطني للأحرار، في ظل ما يشكله رئيسه من وصفة للتعاطي مع تدبير الشأن السياسي مستقبلا”.

وأكد البوز ضمن تصريحه أن التوجه حاليا صوب حزب التجمع الوطني للأحرار “الذي يعكس مقاربة تكنوقراطية يبدو أنها العنوان الراهن للمرحلة السياسية المتمثل في القليل من السياسة والكثير من الفعالية التي يعكسها التدبير التكنوقراطي للشأن العام، لا سيما في ظل وجود شخص على رأس الأحرار يعكس هذه السياسة”.

hespress.com