الأحد 28 فبراير 2021 – 19:16
لا أعتقد البتة أن هناك عاقلا واحدا سيخالفني الرأي أو يرميني بالجنون إذا ما قلت بأن حزب “العدالة والتنمية” الحامل لرمز “المصباح”، لم يبرع في شيء منذ انقضاضه على رئاسة الحكومة خلال ما سمي بـ”الربيع العربي” كما برع في نشر الظلام وبيع الأوهام للجماهير الشعبية، معتمدا في ذلك على الخطاب الديني ولغة المؤامرة. إذ أنه حتى وهو يقود الائتلاف الحكومي لولايتين متتاليتين لم يستطع التخلص من عادة التباكي اللعين، خاصة عندما يلوح في الأفق هلال الاستحقاقات الانتخابية، في محاولة يائسة لطمس الحقائق الساطعة، وتبرير ما راكمه قياديوه من فضائح وتدبير كارثي للشأن العام على الصعيدين الوطني والمحلي، كما يشهد بذلك بعض مناصريهم ممن انخدعوا بوعودهم العرقوبية وشعاراتهم الزائفة…
كما لا أعتقد أن هناك من يمكنه توجيه الاتهام إلى وزير الداخلية عبد الوفي لفتيت، بمجانبة الصواب عند انتقاده الشديد لبعض النواب البرلمانيين من ذات الحزب الأغلبي ودعوتهم إلى التوقف عن ذرف دموع “التماسيح”، التي لم تعد تجدي نفعا في التأثير على أحد، إبان اجتماع لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة، المنعقد يوم الأربعاء 24 فبراير 2021 بمجلس النواب. حيث أنه في خضم المشاورات بين الوزارة والأحزاب السياسية حول مشاريع القوانين الانتخابية، الرامية إلى تجويد المنظومة الانتخابية وتكثيف المشاركة في الاستحقاقات المزمع إجراؤها في غضون الشهور القادمة من السنة الجارية 2021. وبمجرد الكشف عن إجماع كافة الأحزاب في الأغلبية والمعارضة باستثناء حزب “الأصالة والمعاصرة” على تعديل القاسم الانتخابي، بناء على عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية عوض عدد الأصوات الصحيحة، حتى ثارت ثائرة البيجيديين وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها، مستغلين هذا المعطى في العودة من جديد إلى رفع شعار المظلومية، واتهام “أم الوزارات” بالتحكم في العملية الانتخابية المقبلة. كيف لا والقاسم الانتخابي في صيغته الأصلية، هو الذي خول لهم الظفر بأكبر عدد من المقاعد في الدوائر الانتخابية؟
فوزير الداخلية المعروف بليونته في التعاطي الإيجابي مع عدة قضايا داخل الائتلاف الحكومي المتنافر، وبعد تجربة طويلة أهلته إلى التعرف عن كثب على دهاء البيجيديين ومناوراتهم المتواصلة، أراد فقط أن ينبههم إلى الكف عن هدر الزمن السياسي في اجترار نفس التظلمات غير الواقعية والادعاءات الباطلة، وإشعارهم بأن الرأي العام بات على وعي تام بتهافت خطاب المظلومية، وأنه لا داعي للتمادي في ممارسة سياسة الهروب إلى الأمام كلما قرب موعد الانتخابات، بغرض تفادي المساءلة والمحاسبة عن تدبيرهم الفظيع وما ترتب عنه من استياء عارم وتنامي الاحتجاجات الشعبية في جميع ربوع البلاد. إذ كيف يعقل وصف وزارة الداخلية بالتحكم والترويج لمسؤوليتها في توجيه العملية الانتخابية، وهي التي لم تأل جهدا في لعب دور الوساطة وتقريب وجهات النظر بين الأحزاب من أجل تحقيق التوافق حول القاسم الانتخابي وغيره من مشاريع القوانين الانتخابية، بينما يصر حزب المصباح على أخذ مسافة من باقي الأحزاب الأخرى والبقاء معزولا في مواجهة الجميع؟
ذلك أنه منذ وصوله إلى قيادة الحكومة سواء السابقة بقيادة عبد الإله ابن كيران صاحب أكبر معاش استثنائي أو الحالية برئاسة سعد الدين العثماني، والحزب الإسلامي يتهرب من تحمل مسؤوليته السياسية في عديد المحطات والاستحقاقات، حيث اعتاد قياديوه على استخدام سلاح المظلومية ونظرية الاستهداف والتلويح بالاستقالات، كلما وجدوا أنفسهم في ورطة أو شعروا بالخناق يلتف حول رقابهم، وما إلى ذلك من أفعال دنيئة ومرفوضة، بحثا لهم عن مخرج أو مشجب لتعليق إخفاقاتهم وفضائحهم المتواترة، ناهيكم عن لجوئهم إلى شيطنة القضاء والإدارة وافتعال المعارك الوهمية مع الولاة والعمال…
وهكذا يبدو واضحا أن البيجيدي الذي ظل جاثما على صدور المغاربة طوال عشر سنوات بالتمام والكمال، لم يحصدوا خلالها من ثمار غير الحنظل وخيبات الأمل، من حيث تقويض القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة والإجهاز على أهم المكتسبات الاجتماعية، استطاب جيدا دفء رئاسة الحكومة وتربع قادته على أهم المناصب السامية وعمودية المدن الكبرى وترأس مجموعة من الجماعات الترابية، الذين تفتحت شهيتهم أكثر وأبانوا عن جشعهم المفرط وتهافتهم المقيت على المناصب والجمع بين الأجور والتعويضات المادية الجزافية غير العادلة. وبما أنه يفتقر إلى تلك الحصيلة التدبيرية الإيجابية والمشرفة، فإنه لا يجد أدنى تردد في استلال سيف المظلومية، بعدما خبر مدى نجاعته في دغدغة العواطف والتلاعب بالعقول…
إننا اليوم واثقون من أن البيجيدي الذي ينهج سياسة براغماتية صرفة، لن يفلح مرة أخرى في خداع المغاربة والعودة مجددا إلى تصدر نتائج الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، مهما تعددت أشكال مكائده بما فيها الاستقالات الصورية. مادام الموطنون والمواطنات عاقدين العزم على معاقبته، وغير مستعدين لأن يغفروا له ما اقترفه في حقهم من آثام جسام، المتمثل بعضها في إجهاض آمال “حركة 20 فبراير” في الإصلاح والتغيير وإسقاط الفساد والاستبداد، وما اتخذه من قرارات لاشعبية لم تجرؤ على اتخاذها الحكومات المتعاقبة، كحذف صندوق المقاصة وتحرير أسعار المحروقات وما نجم عنها من غلاء فاحش. الرفع من سن التقاعد، الاقتطاع غير المشروع من أجور المضربين، فرض التوظيف بالعقدة على المعطلين، تجميد الترقيات وإلغاء الترقي بالشهادات، فضلا عن انتهاج ساسات عامة عقيمة، ساهمت في تزايد معدلات الفقر والهدر المدرسي والبطالة واتساع دائرة الفوارق الاجتماعية والمجالية…